للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قال (فكم منهم الدعوى ومني القصائد)

ولما اشتدت منافسهم له وابو فراس في جانبهم جمعهم ذات يوم مجلس سيف الدولة، فقالوا فيه ما قال مالك في الخمر وهو ينشد البيت في اثر البيت، وهم يقولون سرقت هذا من هذا القائل، وذاك من ذاك القائل، حتى مل سيف الدولة وضجر وحتى قيل انه رماه بدواة فأدماه، فارتفعت من سويدائه شرارة العبقرية التي ما خانت العبقري مرة، فمد يده إلى حيث استعار سيف الاسكندر، وفك به رؤوس هاته الزعانف ببيته المشهور الباقي على الزمان بقاء قصائده.

ان كان سركم ما قال حاسدنا ... فما لجرح إذا أرضاكم ألم

ويكفي ثوابا له ان يقوم سيف الدولة عن سريره ويقبله في جبينه، إذ كان هذا البيت أمضى من سيف الاسكندر، وكان في حده الحد بين لعب خصومه وجده، والفارق بين باطلهم وصحيحه، وأغنى عن التمادي في خصومتهم ومماحكاتهم، ورد عداوتهم في نحورهم (وعداوة الشعراء بئس المقتنى) كما قال في أحد أبياته،

وقد اشار إلى هذه الحادثة ببيته الآخر الذي جرى مجرى المثل ككثير من شعره وهو:

أنام ملء جفوني عن شواردها ... ويسهر الخلق جراها ويختصم

قال إن شوارد الشعر وقوافيه لا تقلق لي بالا ولا تؤرق لي نوما وإنما يقلقني الحزن على حبيب راحل وتؤرقني الصبابة، فأنشد القصيدة ناعما خلي البال وأنام ملء جفوني على حين ان هؤلاء الأدعياء يسهرون لياليهم مختصمين ولا يفتح عليهم بشيء.

لورد كرومر

قد تعرض في القانون حالات تحسب فيها المحافظة على القانون سخافة وكسره حكمة وعقلا. وقد يقف الجندي في الميدان مواقف يحيد بها عن أوامر رئيسه ويعصاها فيدفع بذلك كارثة كبيرة وبمقتضى الأحكام العسكرية يجب أن يقتل، ولكنه لا يقتل لأنه عاذ بعقله في موقف، طاعة الأمر العسكري فيه خطأ، وعصيانه صواب. والذين عرفوا تاريخ نلسن الشهير عرفوا انه خالف أوامر رؤسائه غير مرة، وان ذلك حال دون ترقيته الترقية العسكرية المعتادة، ولكنه لم يحل دون صعوده إلى أعلى مراقي الشهرة البحرية العالمية على يد عبقريته.

<<  <  ج:
ص:  >  >>