لقد ابتدع توفيق الحكيم لوناً جديداً في الأدب المصري هو من فنه الخالص. . . هو من عصارة قلبه النابض، هو مزيج من الموسيقى والألوان وعبير الحدائق، وفي هذا المزيج كثير من دموعك، بل من دمك، ولكن فيه أيضاً الكثير من دموعه هو أيضاً ومن دمه
إن توفيق الحكيم هو أحد أولئك الذين يخلقون لنا مصر الحديثة. . . أدب مصر الحديثة، وذوق مصر الحديثة، وروح مصر الحديثة، وفن مصر الحديثة، وكلما تفتقر إليه مصر الحديثة من لغة وفلسفة وشعر وسمعة!
إنه تلك الابتسامة الحلوة التي رفت فجأة على شفاهنا حينما كنا نفتقد المجددين ذوي المواهب فلا نجد منهم ثلاثة أو أربعة!
إن روح توفيق الحكيم تتلألأ في كل سطر من سطوره (زهرة العمر) في خطوط الفنان القوية أحياناً وفي مسوح الراهب المتأمل أحياناً أخرى. . . وقد تظهر في ألف صورة من صور الأحياء الممتارين خصوصاً في صورة (البليادشو!) من غير حاجة إلى الدقيق على الوجه أو الطرطور على الرأس. . . لأن توفيق الحكيم يستطيع أن يضحك إلى حد الإغراب بدون هذه الوسائل الشكلية. . . إنه مضحك موضوعي ممتاز. . . ولو أنه عني بالتأليف للمسرح على النحو الذي يعرفه المسرحيون لأشرنا عليه أن ينقطع للملهاة. . . إنه إذا فعل يتيح للمسرح المصري فرصة مواتية ومركزاً عالياً ومكانة عالمية لا تعد لها مكانة. . . على أنه مع ذاك أقدر من يستطيع أن يؤلف المأساة في مصر. . . لأن الضحك الذي يصنعه توفيق الحكيم مصدره البكاء. . .
وبعد، فقد ذكرت أنني كنت أصوره في نفسي على صورة العارف بالله السيد أحمد البدوي، أفتدري يا سيدي القارئ أن سيدي المرسي أبا العباس قد صدر توفيق الحكيم إلى طنطا. إلى البدوي العظيم. . . وأن البدوي العظيم قد صدره بدوره إلى سيدي إبراهيم الدسوقي!! فما معنى هذا في تاريخ حياة أديبنا الألمعي! وما الصلة الروحية بيني وبين أقطاب الأولياء في مصر؟ وما الصلة بين هذا كله وبين إهداءه عصفور من الشر إلى (الست الطاهرة. . . السيدة زينب؟!)