تدرس مصر العربية، لا تنسى أن تدرس الدولة الفاطمية بالتفصيل، فنحن لا نزال نسير على سنتهم ومراسمهم؛ فزيارة آل البيت فرض على كل من يؤم القاهرة من أهل الريف، والاحتفال بصلاة الجمعة اليتيمة والعيدين، والاهتمام بالقراء والتلاوة والتلقين كلها من آثار ذلك العهد
ومنذ أيام كنت أقلب كتاب الروضتين فجاء ذكر الشاعر عمارة اليمني بأنه من أتباع الدولة المصرية وأورد له شعراً رقيقاً يفيض حنواً على الإمام العاضد آخر خلفائهم إذ يقول:
أسفي على زمن الإمام العاضد ... أسف العقيم على فراق الواحد
لهفي على حجرات قصرك إذ خلت ... يا بن النبي من ازدحام الوافد
ولقد دفع عمارة الشاعر الثمن بحياته جزاء إخلاصه، وبشعره تطوى صفحة من تاريخ مصر، تصحبها نغمة من نغمات الحزن العميق والتقدير، لندخل طوراً من أطوار المجد والبطولة تغمره الحوادث والمعارك والنصر والغلبة
أنتقل إلى القسم الأخير من هذه الكلمة، فأعرض لوصف المسجد وصفاً مختصراً:
الجامع الطولوني هو الثالث في ترتيب المساجد الجامعة التي أقيمت فيها صلاة الجمعة في مصر، بعد الفتح التحريري العربي، بناه الأمير أحمد بن طولون على جبل يشكر في الجهة الجنوبية من القاهرة، بينها وبين الفسطاط، في حي السيدة زينب الآن، وهو أقدم مساجد مصر بلا نزاع، بل أقدم آثارها العربية، بعد مقياس النيل بجزيرة الروضة، وأول جوامع مصر هو الذي بناه عمرو بن العاص، ثم جامع العسكر. فلما قدم ابن طولون صار يصلي فيه الجمعة بجنده وسودانه، فشكا أهل مصر إليه، فعزم على بناء جامع، فأشار عليه جماعة من الصالحين أن يبنيه على جبل يشكر، وذكروا له فضائله فأخذ برأيهم.
ذكر ابن دفملق والمقريزي عن هذا المسجد من أن بناءه أقيم على مثال جامع سامرا أو سر من رأى
ولقد ذكر الأستاذ كريزول ما يأتي:
إنه على عهد بني أمية كانت الدولة عربية خالصة، وكان يغلب على العمارة التأثير السوري واستعمال الفسيفساء
ثم انتقلت عاصمة الخلافة إلى بغداد في عهد بني العباس، وصارت مركز التطور الدولي،