فغلبت على العمارة المؤثرات الفارسية وأساليب العمارة الساسانية والعراقية
وابن طولون من مواليد سامرا وقد جاء إلى مصر يحمل معه كل تقاليد البلاط، وما من شك في أنه يميل إلى تقليد مولاه
كتب الكثيرون في وصف المسجد، ولقد أخذنا ما تقدم نقلاً عن الأستاذ محمود عكوش في كتابه المطبوع ١٩٢٧، ولكن ظهر بين يدينا اليوم كتاب الأستاذ كريزول العظيم؛ ويتضح من أبحاثه التي قام بها في العراق والصور التي أخذها لجامع سامرا من الجو، أن التماثل بين المسجدين عظيم، وأن مسجد ابن طولون ما هو إلا صورة مصغرة للمسجد الذي بناه المتوكل في عاصمة ملكه سامرا بالعراق
فإذا كانت البوانك على صفين من الجانبين في مسجد مصر، فهي أربعة في مسجد المتوكل، وقس على ذلك السعة والأروقة والارتفاع والضخامة، ولقد كشفت صور الجو أن تحت الثرى مدينة بأكملها قد غطتها الفيضانات العالية، بدجلة تنتظر الكشف لتخرج مدينة سامرا القديمة بشوارعها ومبانيها كما كانت في أيام العباسيين
ولا شك في أن مسجد ابن طولون سيكون انموذجاً، قد حفظته مصر للعراق، إذا فكرت الحكومة العراقية في إعادة بناء مسجد المتوكل، إنه سيكون تحفة من تحف الدنيا، ومظهراً من أضخم مظاهر مدنية العرب، وجبروتهم في العمارة والإنشاء
ونعرض هنا إلى موضوع المنارة، فهي من أغرب ما يستوقف الأبصار، وتعد من الألغاز لأنها مبنية على شكل لا نظير له في المنائر بجميع الأقطار العربية والإسلامية. ولقد انقسم العلماء واختلفوا كعادتهم هل هي لاحقة لبناء المسجد، أم بنيت معه وهل هي صورة من منارة سامرا الحلزونية؟ والعلماء وهم كعادتهم قد جزموا بأن الأثر البيزنطي ظاهر واضح في كل شيء، وأن العرب لم يأتوا بجديد، فكبر على نفوسهم أن تأتي الحفائر والاكتشافات فتظهر أن المسجد صورة من مسجد عربي، أكبر من هذا هو جامع سامرا، وأن الأسطورة البيزنطية لا شأن لها اليوم وقد وضعت العناية الحق على لسان الأستاذ كريسول فدعمه بعلم وتمحيص دقيق يعجز عنه المتصدرون لاستعمال العلم لغايات في أنفسهم هي الإقلال من شأن العرب والعروبة والمنارة حديث طويل، وفي أواخر القرن السابع الهجري لجأ إليها الأمير حسام الدين لاجين المنصوري، وكان المسجد مهجوراً، ويوقد به سراج واحد