وكان الخاصة يجمعون التحف على سبيل المباهاة والافتخار، لأنهم أقدر الناس على جمعها. فقد حكموا أن أحشوبرش الآشوري كان عنده خزانة خاصة افتن في جمع آثارها، كما افتن البطالسة في مصر في جمع التحف وأقاموا لها المتاحف في مدينة الإسكندرية التي كانت زاهرة في عهدهم.
ولم يعن النبي عليه السلام وخلفاؤه الراشدون بجمع التحف لأنهم لم يكونوا أهل مادة ودنيا، ولكن أهل تقية وعفاف وتحرج. وقد كان عمر بن الخطاب يتحرج من مزاولة التجارة.
ولم يهتم خلفاء بني أمية بجمع التحف حتى على تشبههم بالأعاجم في اتخاذ التيجان على رؤوسهم. وهذا عمر بن عبد العزيز كان قبل الخلافة مفرطاً في النعيم، حتى لم يجد فيه حساده عيباً إلا هذا. فلما ولى الخلافة تزهد.
فلما جاء العباسيون مالوا إلى الاهتمام بجمع التحف والآثار، وكان لكل خليفة من جامعي آثارهم هوى خاص. فهذا الخليفة الراضي ابن أخي الخليفة القاهر اتخذ في داره خزانة خاصة لجمع البللور حتى قال فيه الصولي:(ما رأيت البللور عند ملك أكثر منه عند الراضي، لا عمل ملك منه مثل ما عمل، ولا بذل في أثمانه ما بذل حتى اجتمع له من آلته ما لم يجتمع لملك قط)
وكان في ملوك بني بويه شغف بجمع التحف، وخاصة عضد الدولة بن بويه؛ فقد ذكر ابن الصابي ونقل عنه المستشرق السويسري آدم متز أنه خلف من الجواهر واليواقيت واللؤلؤ والماس والبللور والسلاح وضروب المتاع شيئاً كثيراً. ويقول ابن الجوزي في كتابه المنتظم أن بهاء الدولة بن بويه جمع من المال والتحف والألطاف ما لم يجمعه أحد من بني بويه.
على أن بعض خلفاء العباسيين قد غالوا في الجمع إلى حد الترف والبذخ مما يصح أن يكون موضع مؤاخذة لهم. فقد روى الثعالبي صاحب لطائف المعارف أن المكتفي - وهو قريب من عصر المأمون - ترك من الكراع والسلاح والأثاث والجوهر وعمائم مرو والحلل الموشاة اليمانية المنسوجة بالذهب وبطائن كرمان في أنابيب القصب والأبسطة الأرمنية - ترك من ذلك كله ما يعد بالآلاف.