وقد حاكى كثير من الأمراء الخلفاء في جمع التحف، فهؤلاء البرامكة روى عنهم سهل بن هارون، وكان خازن دار الحكمة في عصر المأمون، كثيراً من مغالاتهم في الجمع قائلاً:(فإنه لا يصف أقله، ولا يعرف أيسره إلا من أحصى الأعمال، وعرف منتهى الآجال)
ولا شك أن كثيراً من متحف العباسيين قد ضاعت فيما ضاع بسبب غارة التتار عليهم. فقد حدث ابن الفوطي البغدادي - وكان معاصراً لسقوط بغداد سنة ٦٥٦ - :(أن السلطان هولاكو وصل بغداد في جيش لا يحصى عدده ولا ينفد مدده. فخرج الخليفة المستعصم وزيره مؤيد الدين العلقمي ومعه جمع كثير إلى السلطان. ثم دخل الخليفة بغداد ومعه جماعة من أمراء المغول، وخوجه نصير الدين الطوسي. وأخرج إلى التتار من الأموال والجواهر والحلي والزركش والثياب وأواني الذهب والفضة والأعلاق النفيسة جملة عظيمة).
أما بلاد الأندلس فقد جمع كثير من ملوكها وأمرائها الأعلاق والنفائس في دورهم الخاصة. ولا شك أن الزهراء وهي المدينة التي بناها أمير المؤمنين عبد الرحمن الناصر غربي قرطبة كانت تزخر بدور التحف الخاصة. فقد نقل صاحب نفح الطيب عن ابن الرقيق: أن الناس لما اقتحموا الزهراء أسقطوا هشاماً وأزالوا دولة بني عامر، ونهبوا قصور الخلافة فيها، حتى أن بعض ما نهب في هذه الثورة وصل إلى بغداد وسائر بلاد المشرق وبيع في أسواقها.
وكان لهذه التحف والألطاف - كما هو الشأن اليوم - أسواق تباع فيها وسماسرة يتجرون بها. وقد روى ابن الفقيه أن تجاراً من اليهود كانوا يأتون من مقاطعة بروفنس بفرنسا، ويحملون معهم الديباج والخز الفائق والفراء الثمينة، كما ذكر ابن خرداذبة أن تجار الروس كانوا يحملون جلود الخز وجلود الثعالب السود والسيوف. كما كانت تحف الصين وألطافها تأتي مع التجار الذين ذرعوا البحار في تلك الأزمان.
ولقد أسرف خلفاء الفاطميين في ذلك الباب إسرافاً عظيماً، ولم يكتفوا بوضع هذه الألطاف في قصورهم، بل أقاموا لها قصوراً خاصة، وكانوا يسمونها الخزائن جمع خزانة، ولم تكن تلك الخزائن - كما يفهم من اسمها - أمكنة للخزن، وإنما كانت معارض خاصة توضع فيها التحف على نظام خاص ونسق معين، فهي بعينها دور التحف التي نراها اليوم، وفرق