وبعد خمس دقائق انفرج الباب عن فينكل. كان يهودياً طويلاً، أسمر اللون، ذا خدين متهدلين وعينين منتفختين. كان منظر عينيه، وخديه، وصدره، وجسمه، بل منظره كله يمجه الذوق ويثير الكراهية. كان في ملهى (رينيسانس) والنادي الألماني يبدو ثملاً، ويبذل نقوده للنساء عن سعة. وكان واسع الصدر، صبوراً على ألاعيبهن (فمثلاً عندما صبت فاندا كأس الخمر فوق رأسه، لم يزد على أن ابتسم ورفع أصبعه في وجهها منذراً)، أما الآن فهو يبدو جامد الحس، جاداً، ثقيل الدم كرئيس الشرطة، وهو يفتأ يلوك شيئاً بين شدقيه
قال مخاطباً فاندا دون أن ينظر إليها:(هل من خدمة أستطيع أن أقدمها إليك؟). ونظرت فاندا في وجه الخادم الصارم ومظهر فينكل، الذي كان من الواضح أنه لم يعرفها، واحمرت وجنتا فاندا
- (هل من خدمة أستطيع أن أقدمها إليك؟) ردد الطبيب سؤاله في ضيق مكتوم، فهمست فاندا:(أحس ألماً في أسناني)
- (حسن. . . أين موضع الألم؟)
وتذكرت فاندا أن بإحدى أسنانها تجويفاً، فقالت:
- (في الفك الأسفل. . . على اليمين. . .)
- (هيه! افتحي فمك). وقطب فينكل جبينه، وأمسك أنفاسه، ثم أخذ يكشف عن السن. وسأل فاندا:(هل تؤلمك؟). ثم وضع آلة معدنية فوقها. وأجابت فاندا كذباً:(نعم)، وهي تتساءل في نفسها:(هل أذكره؟ إنه من المؤكد سيذكرني. ولكن هذه الخادم! ما الذي يدعوها للبقاء هنا؟)
وفجأة انطلق فينكل قائلاً (لا أنصحك بمعالجة هذه السن. إنها لا تستحق العلاج). وبعد فحص السن مرة أخرى ملوثاً شفتي فاندا ولثتها بأصابعه الملوثة بلفائف التبغ، أمسك أنفاسه مرة أخرى، ثم وضع شيئاً بارداً في فمها. وأحست فاندا فجأة بألم حاد، فصرخت، وقبضت على يد فينكل
فقال الطبيب:(كل شيء على ما يرام. لا تنزعجي. ليس لهذه السن فائدة. . . يجب أن تكوني شجاعة)، وأخرج أصابعه من فمها ملوثة بالدماء وممسكة بالسن. . . وتقدمت الخادم