على النظراء، وليمتاز بالأناقة في البيان، ولا يتم له ذلك إلا إذا استعان بذخائر اللغة الفصيحة، وقد تحمله الرغبة في التفوق على أن يعود طائعاً مختاراً إلى اللغة التي مجدتها الأمم العربية في عشرات الأجيال، وبذلك ينهزم دعاة العامية إلى آخر الزمان
وما الذي منع دعاة العامية من أن يجعلوها لغتهم في الشعر والكتابة والخطابة والتأليف؟
هل صدر قرار يحرم عليهم أن يكونوا عاميين؟
هل حاربتهم الحكومة؟ هل حاربتهم الأمة؟
لا هذا ولا ذاك، وإنما أوحت إليهم عقولهم وأذواقهم أن يسموا بأنفسهم عن الابتذال، واللغة العامية كالثوب الذي نلبسه في البيت، ونحن نعرف أننا لا نتأنق في الملبس بين جدران البيوت
إن اللغة سلاح من الأسلحة، وهي في يد الخطيب كالسيف في يد المحارب، ولا يجوز للعاقل أن يدخل الميدان وفي يده سيف مفلول
نحن لم نهزم دعاة اللغة العامية بالقوة، وإنما انهزموا بأنفسهم لأنهم خاضوا غمار المعركة بغير قلب، ولا عزم لمحارب لا يؤازره القلب.
وهل انهزم دعاة اللغة العامية حين حرصوا على التسلح باللغة الفصيحة؟
إن مكرهم أغرب من مكر الشياطين، فقد رأوا أن يسابقونا الإفصاح، وأن يحاولوا نزع راية الفصاحة من أيدينا ليتفردوا بغنيمة المجد الأدبي، فلنكن أول جيش يسلم وهو فرح جذلان
لقد أراد خصومنا أن يرفعوا أنفسهم فيكونوا خلفاء لأكابر المفصحين، لا خلفاء لعوام المتحدثين في الشوارع والقهوات والبيوت
أقول هذا وأنا أعترف بلغة الشارع والقهوة والبيت، لأنها أماكن يجوز فيها التحلل من التأنق، والتأنق حلية بيانية لا نفكر فيها إلا حين نقف موقف المحاربين بلسان البيان
اللغة العامية هي ثوب البيت عند رفع التكليف، ومن هنا جاز أن تكون لكل أمة لغتان: لغة عامية ولغة فصيحة. وهذه قضية لا تحتاج إلى براهين ولا محامين
وأين خصومنا في هذه القضية؟ أين؟ أين؟
للنوابغ منهم أغراض أدبية واجتماعية، فهم يحاولون أن يصلوا إلى أسماع العرب في