للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المشرق والمغرب، وهذا لا يتيسر بغير الأسلوب الفصيح، لأن الأسلوب العامي يعجز عن تخطي الحدود

ولم يبق إلا الجهالة من دعاة اللغة العامية، وهم أطفال يهمهم أن يتحذلقوا بمضغ الحديث عن فكرة نبتت على شواطئ الجهل، كما تنبت البقلة الحمقاء على مدارج الغدران

نحن في هذه القضية بين صورتين اثنتين: صورة العواطف وصورة المنافع، فما موقف خصومنا من هاتين الصورتين؟

إن فرضنا أنهم لا يبالون ما صنع آباؤهم وأجدادهم في إعزاز اللغة الفصيحة إعزازاً حماها من الاندحار في عصور كانت كلها ظلمات في ظلمات، فكيف نفرض أنهم لا يبالون منافعهم وهي من الصميم في وجودهم الحيوي؟

أيستطيعون الاستغناء عن الشرق؟

هذا ممكن، إن أرادوا العيش في ظل الخمول، ولكنه مستحيل إن أرادوا الاتصال بالشرق، في الحدود التي توجبها أواصر الأدب ومنافع الاقتصاد

لو انتصرت دعوة خصومنا - ولن تنتصر - لكان من الحتم أن يحتاج المصري إلى مترجم حين يزور فلسطين أو الشام أو لبنان، وقد يحتاج إلى مترجمين حين يزور العراق، لأن الدعوة إلى العامية قد تحيي في العراق عدداً من اللغات

وأذهب إلى أبعد من ذلك فأقرر أن العصبية المحلية قد تحوج القاهريين إلى مترجمين حين يزورون بلاد الصعيد، بغض النظر عن بلاد النوبة والسودان ودار فور وكردفان!

يجب حتماً أن نترك هذا السخف الممقوت، سخف الدعوة إلى اللغة العامية، لأنه من شواهد الانحطاط، ونحن في طريق الاستعلاء

ويجب أيضاً أن نقتدي بما تصنع الأمم القوية، وهي تفكر في توحيد اللغة قبل أن تفكر في توحيد الأقاليم، لأن وحدة اللغة هي حجر الأساس في بناء القومية

يجب أن تكون للعرب والمسلمين لغة واحدة في المشارق والمغارب، لغة يتلاقون عندها كما يتلاقون في جبل عرفات، وكما يتلاقون في توحيد الله عند الصلوات

فإن لم يفعلوا - وسيفعلون - فستضيع جهودهم في الدعوة إلى الوحدة العربية والوحدة الإسلامية، ولن يضيعوا أبداً، لأنهم أعقل من أن يتعرضوا إلى مخاطر الضياع

<<  <  ج:
ص:  >  >>