للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لقد استقر الرأي في البيئات الفنية المصرية على أن من حق لغة المسرح والسينما أن تتحرر من القيود التي تثقل اللغة الفصيحة مادام موضوع القصة المسرحية أو السينمائية موضوعاً خاصاً بالمجتمع المصري الحديث، وتلطف الفنانون المصريون مع اللغة الفصيحة فجعلوها لغة الروايات المنتزعة من حوادث التاريخ

فما الذي وقع بعد ذلك؟

رأينا أولئك الفنانين يقبلون على اللغة الفصيحة في المواقف التي تحتاج إلى روعة البيان، وهذا ما يصنع الفنان يوسف وهبي وما يصنع زملاؤه من المؤلفين المسرحيين والسينمائيين

وأنتم في غنى عمن يدلكم على تلك المواقف، فما خلت رواية مسرحية أو سينمائية من مشاهد لا يستطيع الممثل أن يؤدي فيها واجبه الفني بغير الأسلوب الفصيح

كانت (الفرقة المصرية) تلتزم اللغة الفصيحة، وقد نجحت كل النجاح، ولكن ناساً قالوا إنها عجزت عن غزو الأوساط الشعبية، واقترحوا أن تتحرر من قيود الإفصاح

وقد غير نظام تلك الفرقة إجابة لصراخ الصارخين من عوام الناس، وألقى الأستاذ محمد بك صلاح الدين خطبة قرر فيها أن المسرح ليس مدرسة لتعليم اللغة الفصيحة، وأنه لا بأس من أن يجري الحوار باللغة التي يتكلم بها الناس فيما يتصل بموضوع المسرحية

ولكن الأقدار قضت بغير ما قضى به هذا الرجل الأريب، فقد بدأت الفرقة موسمها في هذه السنة بمسرحية شعرية، هي قصة قيس ولبنى، وأقبلت الجماهير على شهود هذه القصة أكثر من عشرين ليلة، مع أن المفهوم أن الشعر الفصيح أصعب من النثر الفصيح

فما تفسير هذه الظاهرة الأدبية؟

تفسيرها سهل، فالجمهور المصري يؤمن بأن اللغة الفصيحة هي لغته الأصيلة في المواقف الجدية، بدليل أنه لا يتصور صحة صلاة الجمعة إذا ألقى الخطيب خطبة الجمعة باللغة العامية

ومن أغرب ما يقع في هذا العصر أن يجهل بعض رجال الآداب والفنون روح الشعب المصري، فهم يتوهمون أنه شعب يستريح إلى المطالب الهينة، ويثقل عليه الجد الصريح

وبسبب هذا الفهم المنحرف ضاعت جهود ذلك من الأدباء والفنانين

<<  <  ج:
ص:  >  >>