أساليبها وألفتهم، وامتزج حبها بنفوسهم ودمائهم، وآمنوا بفائدتها إيماناً لا يشوبه شك، لأنهم لم يطالعوا من آثار الحديث ما يزعزع عقيدتهم في القديم، أو يؤثر على أذواقهم التي تألفه وتستسيغه
وقد كان لإيمانهم بالقديم على فساده ثمرته فيما أخرجوا لنا من كتب تدل على براعتهم في قديمهم، وأنهم كانوا يتقنونه كل الإتقان، ويجيدون أساليبه كل الإجادة، وقد أخرجوا لنا من تلك الكتب ما لا يحصى ولا يعد، ما بين مختصرات بلغوا الغاية في اختصارها إلى حد التعقيد الذي كانوا يعشقونه، ويتنافسون في طلب فهمه وحل رموزه، وما بين مبسوطات بذلوا فيها كل جهودهم في التعليق على تلك المختصرات. وقد بلغ من عنايتهم بذلك أنهم كانوا لا يكتفون بشرح واحد على مختصر، بل كانوا يضعون على المختصر الواحد ما لا يحصى من الشروح، ثم يضعون على تلك الشروح ما لا يحصى من الحواشي، ثم يضعون على تلك الحواشي ما لا يحصى من التقارير، حتى ملأوا دور الكتب بمؤلفاتهم، وضاقت رحابها على سعتها بآثارهم
وليت الأمر وقف بطلابنا الآن عند تلك العوامل التي زعزعت إيمانهم بالتعليم في الأزهر، بل هناك عامل آخر قضى عليه كل القضاء، وهو عامل له خطره على الأزهر وأهله، لأنه قد حدا ببعض طلابنا أن يجعلوا من الأزهر وسيلة تعدهم لمعاهد أخرى لا صلة لها به، وتجعله في منزلة مدرسة ثانوية تعد الطلاب لما بعدها، فيصبح وليس هو الأزهر الجامعة الكبرى للمسلمين، وليس هو الأزهر الذي يجب أن يخرج لنا فطاحل العلماء، وأئمة الدين
فقد رأى طلابنا بعد أن أخذوا بالنظام الحديث أنهم صاروا أهلاً لوظائف الدولة، لأنهم درسوا فيه العلوم الحديثة التي تؤهلهم لهذه الوظائف، ولكنهم حينما يقصدون من بيدهم أمرها يجدونهم ينظرون إليهم كما كانوا ينظرون إلى أهل الأزهر القديم، ولا يسمحون لهم بشيء منها إلا بشق الأنفس، وبعد شفاعات ووساطات تذهب بكثير من كراماتهم، وتجعلهم يسخطون على التعليم الذي يزهد الناس فيهم، ولا يجعلهم يرغبون فيهم كما يرغبون في غيرهم، وتذهب بهذا البقية الباقية من إيمانهم به، وقد بدا أثر هذا العامل عليهم فيما يطلبه أبناؤنا في كلية اللغة العربية من فتح باب معهد التربية لهم، ليتخلصوا في نهاية أمرهم منا، ويصيروا إلى من بيده أمر تلك الوظائف، وهذا أمر له ما بعده، وستكون نهايته إن صبرنا