للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عليه سعي الطلاب جميعاً في التخلص منا

فيا قوم إذا كنتم تريدون الوصول إلى سبب فساد التعليم في الأزهر فهذا بيانه، وإذا كنتم تريدون إصلاحه فاعملوا على وضع تعليم يؤمن به الطلاب، ويؤمن به من يتصلون بهم من الذين تربوا تربية حديثة، ويوفق بين آرائنا المضطربة، ويقرب بين أذواقنا المختلفة، ويجعلنا كلنا نؤمن بالإصلاح والتجديد، ونتفق على كره الرجعية والجمود

ودعونا من هذا الترقيع بين القديم والحديث، فإن الثوب القديم يألف الناس لبسه ولو كان بالياً، أما الثوب المرقع من القديم والحديث فإنه لا يألف لبسه أحد، ومن يلبسه يكون ضحكة بين الناس، وقد مضت علينا أزمان ألفنا فيها القديم خالصاً، وكنا في عزلة عن الناس لا يروننا ولا نراهم، ولا نطلب منهم أن يولونا عملاً من أعمالهم؛ فكنا في راحة منهم، وكانوا في راحة منا، ولم يضطرب أمرنا هذا الاضطراب الذي يلفت الناس إلينا، ويجعلهم يتطلعون إلى أحوالنا، ولا يرضيهم إلا أن تكون مألوفة لهم

وما هذا الترقيع بين القديم والحديث؟ لقد صار بنا إلى أن ندرس في القديم ما ينقضه الحديث، وندرس في الحديث ما ينقضه القديم، فندرس مثلاً في تاريخ الفلسفة على الأسلوب الحديث أن الفلاسفة كانوا رجالاً من أرباب الفكر الحر، ونعد هذا مفخرة من مفاخرهم، فإذا تركنا تاريخ الفلسفة إلى علم التوحيد درسنا فيه على الأسلوب القديم، أن الفلاسفة أعداء الدين، ونفرنا الناس بكل وسيلة من فلسفتهم. وهكذا ندرس في تاريخ الأدب العربي على الأسلوب الحديث أن كتابة التدوين والتصنيف بدأت في الانحطاط من أوائل الحكم العثماني، فاخترع تأليف الحواشي والتقريرات والرسائل الخاصة بشرح قاعدة أو جملة أو قصيدة، وضعفت عباراتها وازدادت تعقيداً وغموضاً، حتى أصبح ذلك مما يتنافس فيه، ويظن في صاحبه العلم والدقة؛ فإذا تركنا تاريخ الأدب العربي وجدنا الكتب التي يذمها لا تزال هي الأساس الذي يقوم عليه التعليم في الأزهر

ولا شك في أنه لا يوجد تعليم في الدنيا أسوأ من هذا التعليم الذي ينقض بعضه بعضاً، ويوقع الطلاب في حيرة لا يدرون فيها شيئاً، ولا يوجد فيه من الانسجام ما ينسجم به بعضهم مع بعض، وما ينسجم به جميعهم مع الناس جميعاً.

عبد المتعال الصعيدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>