للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في مقال الأستاذ الكبير الدكتور زكي مبارك عن الشاعر التركي (أيدمر المحيوي)، ورد هذا البيت:

والغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يصبح بالنعيم ويُغبق

وقد نص الدكتور على أن (النعيم) هنا هو الخمر. قال: وهي كلمة قليلة الورود في الخمريات، ولكنها لا تعظم على من ينافس أبا نواس

وأقول إنه يبدو لي أن تصحيفاً طرأ على هذه الكلمة، وصحتها (النسيم) لا النعيم، فيكون البيت:

والغصن مياس القوام كأنه ... نشوان يُصبح بالنسيم ويغبق

ومعناها أن الغصن يتمايل كالنشوان، ولكنه لم ينتشي من اصطباحه واغتباقه بالخمر، كما يفعل النشاوي من الناس، وإنما هو مصطبح مغتبق بالنسيم الذي يغاديه ويراوحه

فنائب الفاعل ليصبح ويغبق هنا هو (الغصن) لا (نشوان) وتلك زيادة في المعنى لا تحسبها قد فاتت الشاعر. ونحن نرفض كلمة (النعيم) هنا، لأنها تحرمنا من هذا المعنى الذي ذكرناه، ثم لأننا لم نسمع بأن النعيم من أسماء الخمر، وأخوف ما نخافه أن يستطرد شعراؤنا فيلقبوها بالسعادة أيضاً، وبالهناء والسرور. . .

وقد رجعت إلى (حلبة الكميت) لشمس الدين النواجي، فوجدته يورد البيت بلفظ النعيم لا النسيم؛ وكذلك فعل البهاء الدمشقي صاحب (مطالع البدور). والتصحيفات - كما قلت مرة - هي آفة الآفات في مطبوعاتنا ومخطوطاتنا. وإنها لكثيرة - وسخيفة أحياناً - إلى الحد الذي تستوجب معه الإهمال وترك التصحيح، ولكني أردت بهذه الكلمة أن أستطلع أستاذنا الجليل زكي مبارك، ولعله يقتنع برأيي فأكون سعيداً.

هذا وقد راقني حديثه الموجز عن الروضة والمقياس ومكانتهما من نفوس الشعراء في أزمانهما. وأنا مثبت هنا تأييداً لرأيه ما قال بعض الشعراء (المجهولين) في المقياس:

إن مصرا لأطيب الأرض عندي ... ليس في حسنها البديع قياسُ

ولأن قستها بأرض سواها ... كان بيني وبينك (المقياس)

(جرجا)

<<  <  ج:
ص:  >  >>