من لا يحسن أن يجيب فكان في ذلك عذره، أو كان مشاركاً في اللوم إذا اتجه إليه ملام
وقد ننصفه حين نقول إنه جمع في كتابه الصغير أوفر عدد من الحقائق وأقل عدد من الأخطاء. فقال في مائة وسبعين صفحة صغيرة ما يقوله غيره في ألوف الصفحات، وذلل صعوبة الصناعة - صناعة الكتابة عن الرحلات في الزمن الحديث - تذليلاً يشهد له ببراعة صحيفة وملكة قصصية ليست موفورة الشيوع بين الكبراء من رجال السياسة
وقد ذكر في الفصل الأول من كتابه أنه عبر في سياحته واحداً وثلاثين ألف ميل ولم يقض في الهواء أكثر من مائة وستين ساعة، وهذا عنده - وعندنا - دليل صادق على أننا نعيش اليوم في (دنيا واحدة) كما اختار أن يسمي كتابه، ولكن الدنيا الواحدة، بل الدار الواحدة، بل النفس الواحدة، تحتاج إلى أكثر من مائة وستين ساعة، بل مائة وستين يوماً لفهمها على جليتها، وتصويرها في ظواهر أحوالها وبواطن حقيقتها. ولعل الرجل الذي يستطيع أن ينظر إلى الدنيا نظرة واحدة مستطيع أن يستدرك من أخطائه ما تتفرق به الأقوال وتتشعب حوله الآراء.