إذا كان مدحٌ فالنسيب المقدَّمُ ... أكلُّ فتىً قد قال شعراً متيّم
والأمر الثاني أن النسيب عنده كان في الأغلب من فواتح المدائح، كالذي رأينا في قصيدته القافية، وهو يذكر يوم التخليق بالمقياس
ولو ظفرنا بديوان أيدمر كاملاً لعرفنا مذهبه في التشبيب، فمن المحتمل أن يكون خصه بقصائد طوال أو قصار، كما فعل البهاء
أقول هذا لأني أستبعد أن يكون الغزل نافلة عند من يقول:
ومُضْنَي الخصر لا يدري يقيناً ... أوردٌ وجنتاه أم حُمَيّا
أتاني زائراً من غْير وعدٍ ... وقد مالت لمغربها الثريا
فوفَّى دَين شوقي حين وافى ... وأحيا مَيْتَ أنسى حين حيّا
وبتُّ أرى يقين الوصل شكا ... وقد ملأ الهوى منه يديّا
أفكّر في الجفا أنّى تقضَّى ... وأعجب للرضا أنَّى تهيّا
والمعاني هنا مألوفة أو مطروقة، كما قلت في مثلها من قبل، ولكنها في حيوية قوية تشهد لصاحبها بالابتكار والابتداع
وأين من يلاحظ كلمة (يقيناً) في البيت الأول، وهي من القوة بمكان، مع أنها لو وقعت في غير هذا الموقع لكانت من المبتذلات، وسر قوتها يرجع إلى حيرة المحبوب في إدراك سحر وجنتيه الورديتين أو الخمريتين، وهل يعرف الورد أنه ورد؟ وهل تعرف الخمر أنها خمر؟
والبيت الثالث أعجب وأغرب؛ فالعاشق يرتاب في اليقين، لأنه فوق ما تسمح به الأوهام والظنون، وقد أوضح ارتيابه بهذا البيت:
أفكر في الجفا أنّى تقضّى ... وأعجب للرضا أنَّى تهيّا
ولهذا الشاعر لوعة أفصح عنها حين قال:
ذُكِر الحِمَى فأطال رجع أنين ... وغدا يواصل زفرةً بحنين
واعتاده وَلَهٌ يقَسِّم لبَّهُ ... ما بين حالة حيرةٍ وجنون
وجَرَتْ محاجرُهُ دماً فكأنما ... شرقت بذوب فؤاده المحزون
وَلها يكفكف دمعه بشماله ... أسفاً ويمسك قلبه بيمين