أولئك المعلمون الذين نظلمهم بتوجيه نقدنا إليهم وهم لا جريرة عليهم ولا ذنب لهم، فهم يعلمون كما أعدوا لهذه الطريقة من التعليم، وقد صبوا في قوالب من صنع الدولة لم يصنعوها بأنفسهم بل صنعت لهم ثم خرجوا على غرارها، وقد أصبح معلم اللغة العربية كالقاطرة التي لا تستغني عن شريط السكة الحديدية، وهي تجر ورائها جميع العربات - أبناءنا التلاميذ - على الشريط نفسه والى المحطة نفسها، والويل للمعلم الذي تحدثه نفسه بالخروج عن هذا الشريط! الويل للمعلم الذي يخالف عن سنة المنهج. . . تلك الشريعة المنزلة التي ترتبط بحسن تنفيذها التقريرات والعلاوات والدرجات. . . والفصل من الوظيفة والبقاء فيها أحياناً. . . الويل للمعلم الذي لا يجيد أن يعلم تلاميذه أن (نون) العاقلون هي نيابة عن التنوين في الاسم المفرد! وما إلى ذلك من اللغو الذي تركنا المدارس ونحن لا نحسن أن نفهمه، بله أن نعلله. . . لا نحن ولا معلمونا المساكين. . . ماذا يصنع المعلم يا أخانا الجليل مؤلف كتاب زهرة العمر بعد أن صبته وزارة المعارف في هذا القالب الشاذ؟ هل قرأت ما كتبه عنه صديقك طه حسين وشريكك في القصر المسحور؟ لقد كتب طه حسين فصولاً قيمة في كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) عن تعليم اللغة العربية ومعلم اللغة العربية والمعاهد التي تعد هذا المعلم في مصر. . . ذلك المعلم الذي تقول عنه إنه كان، سواء في المدارس الابتدائية أو المدارس الثانوية يجهل، لا معنى اللغة العربية وحدها، بل معنى اللغة على الإطلاق! ترى من كان معلمك في المدارس الابتدائية، ومن كان معلمك في المدارس الثانوية ليسمعا إلى هذا الكلام الجريء الذي ترسل به لسانك فيهما الآن بعد أن أصبحت كاتباً نابهاً من كتاب العربية؟ أكبر الظن أنهما كانا يفهمان معنى اللغة العربية، بل معنى اللغات جميعاً إنما أسطورة القاطرة العربات وشريط السكة الحديدية هي التي أظهرتهما في نظرك على هذا النحو من الجهل. . . بل من العمى. . . أسطورة المنهج، وشريعة وزارة المعارف المنزلة التي لا يحيد عنها إلا كل مجازف. . . وأرجو أن أتحدث إليك حين نلتقي كيف كان صديقك الزيات يجعل من مادة اللغة العربية التي كان يعلمنا إياها أحب مواد التعليم إلى نفوسنا. على أن أستاذاً جليلاً قد نشر في هذه المجلة فصولاً عظيمة عن تعليم اللغة العربية فأرجو أن تراجعها إن لم تكن قد فعلت
أما أساليب الكتابة العربية وعناية معظم الكتاب المنشئين باللفظ دون المعنى، فهذا لم يحدث