للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويظهر المذهب التقليدي في شعر الطويراني واضحاً، حتى في طريقة تبويبه للديوان؛ فقد قسمه إلى أربعة وعشرين باباً: الأول منها في الإلهيات، وقدمه لشرف موضوعه، وهو الحمد والثناء على الله تعالى مفيض هذا الوجود. ولم يعد في هذا الباب أن يكون (نظاماً) لا شاعراً؛ فلم يصل إلى أعماق الوجود ولم تتجل عليه فيوض الحكمة وإشراقاتها، ولم تزد إلاهياته على أن تكون خطوات عابرة نظمها في قالب من قوالب عصره. وقد حاولت أن أعرض أحسن ما في هذا الباب، فلم أجد غير هذه الأبيات:

يا مالك الروح يشقيها ويسعدها ... وحافظ الجسم إفناء وإبقاء

أوجدت من عدم روحي وكنت لها ... أوقات لم أدر فيها الطين والماء

متعتني في صفاء النفس منفرداً ... مطهراً لم أخف رجساً وبأساء

أما الباب الثاني ففي المدائح النبوية وسماها (النبويات)، كما سميت قصائد الكميت (بالهاشميات)، وهي قصائد ليس لها في الشعر من شرف إلا أنها صنعت للرسول عليه السلام! فلا نجد فيها قوة حب الكميت ولا متانة البوصيري وحكمته في ثنايا المديح

والباب الثالث في الحماسة والفخر، وقدم هذا الباب (لعلة وفاء حقوق النفس التي لا تعرف حق غيرها إلا بعد معرفة ناموسها؛ فإن النفس إذا جهلت حقها جهلت حقوق غيرها بالطبع فلم تقم بها)، وهذا تعليل لطيف لشعر الفخر، ولكن يشترط ألا يغالي فيه، وإلا صار إسرافاً وكذباً. ولقد أسرف الطويراني في هذا الباب إسرافاً كثيراً ووضع فيه ما ليس منه، كالأبيات التالية التي هي أشبه بشعر الحكم منها بشعر الحماسة:

الناس في الدهر أنباء وأخبار ... والكون كونان أعيان وآثار

لا خير في العيش إن لم يصطحب شرفاً ... ولا اقتحام الردى دون العلا عار

اعمل مع الصبر ما يرضى الكمال به ... وكتم مصابك إن الدهر دوار

لا يرغم الدهر إلا من يطيش له ... فاعتز بالنفس إن خانتك أنصار

وقد يكون في هذا الكلام فخر خفي، فهو يأمر الناس بما كمل هو به نفسه من اصطحاب الشرف واقتحام الردى والصبر وكتمان المصاب والاعتزاز بالنفس حين يخون النصير

وأكثر ما يفتخر الطويراني في هذا الباب بآبائه الترك، فهو يتعصب لهم على العرب الذين حفظ لغتهم وآمن بنبيهم؛ وقد يصل به التعصب إلى إنكار كل فضيلة للعرب وتجريدهم من

<<  <  ج:
ص:  >  >>