الدنيا إلا أن تملك منها جلباباً أو تزهي فيها بحلية. وقفت تساعد زوجها في تنظيف الحانة وتنظيمها، ووقف زوجها يداعبها ويلاعبها. وراحت هي تدل عليه وتتيه، وتستنجزه ما وعدها من جميل النعم، فإذا مد يده يداعب خدها الناضج أو فمها المفتر، اقتحم الحانة شاعر مصري جواب آفاق يدعى باتوزيس، يحمل على كتفه كل ما يملك من عرض دنياه. . . قيثاره و. . . قلبه و. . . أمانيه. . . تلك الأماني التي لا تزيد على كأس يشعشع بها أحلامه، أو أغنية يسكن بترديدها آلامه، أو قينة يريق تحت قدميها أنغامه؛ وما أرخص هذه الأماني في حانة أرسطفان هذا الببلوسي!
ويرى باتوزيس زوجة الخمار، فيعتمد القيثار ويتغنى أعذب الأشعار؛ إلا أن أرسطفان يضيق به وبأشعاره، حتى إذا قال باتوزيس
لو كنت في طيبة يوماً معي ... رأيت باتوزيس في المجلس
يسقيك من خمرة كهَّانها ... مصرية عذراء لم تُمسس
انتفضت زوجة الخمارة الحسناء لذكر طيبة، ولذكر مصر، وتسائل الشاعر عن ملاعب صباها في وادي النيل، فيجيبها ودموعه تترقرق قي عينيه شوقاً إلى مراتع حبه وجنة قلبه
أي صدى هزَّني ... وأي حلم عجاب
هل لي إلى موطني ... يا ربّتي من إياب؟
يا ربتي رددي ... هذا النداء الجميل
اليوم أم في غدٍ ... أرى ضفاف النيل؟
وتقدم الزوجة الحسناء بيدها البضة وأناملها الغضة كأساً من الخمر إلى باتوزيس، ويأخذ الخمار وزجه والشاعر المصري في حديث طلي طويل عن مصر، تقطعه ضجة يسمعونها من بعد، وهي تقترب، فيخبرهم باتوزيس أن اليوم عيد البحار، وأن البحارة المقبلين نشاوى قدموا ليحتفلوا بعيدهم
ربابنة السفن المواخر أقبلوا ... يحيّون عيد الماء عيد السفائن
يلوحون من أقصى الطريق بموكب ... تصايح فيه كل نشوان ماجن
ألا حبذا عيد البحار وحبذا ... شرابيَ فيه أو شجيُّ ملاحني!
ويخشى أرسطفان على زوجته من هؤلاء السكارى العزابيد: