للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مفتوحة واعية فاحصة، لا تفوتها حركة ولا يند عنها لون؛ وهي تستعرض الحياة والمناظر والنفوس والأشياء، ولا تشبع من النظر ومن التقاط هذه الدقائق في يقظة وانفعال.

وليس كل كائن في الحياة موجوداً بالقياس إلى النفس الإنسانية؛ إنما تملك النفس ما تفطن له وما تنفعل به. واللحظة القصيرة تطول وتضخم إذا هي امتلأت بالأحاسيس وأفعمت بالانفعالات، والتقطت العين والنفس كل أو معظم ما تنطوي عليه من الدقائق والتفصيلات.

وكذلك يصنع المازني باللحظات، وكذلك يملؤها حتى يكظها ويزحمها بالانفعالات. وقد لا يبلغ أغوار الحياة ولا قلالها؛ ولكنه يذرعها طولاً وعرضاً، ويلحظ كل دقيق لا تأخذه العيون، فإذا هو في حفل من الصور والحركات والتصورات، إذا هو يعيد إليك هذه الصور المتحركة في حرارة فائرة كأنها حية حاضرة.

تلك مزية المازني التي لا نظير له فيها في اللغة العربية كلها، إلا ما قد يقع لابن الرومي في بعض قصائده مع الفارق بين قيود النظم وضروراته، وانطلاق النثر وحريته.

وبعد فما قيمة (إبراهيم الثاني) التي كنا ننوي الحديث عنها، فأعدانا المازني في هذا الاستطراد!

هي قصة قلب إنساني يضطرب في عواطفه اضطراباً طبيعياً حياً صادقاً تجاه ثلاث من النساء، كل منهن نموذج من المرأة يلتقي مع الأخريات في الجنس ويفترق في الطراز. وكل منهن امرأة طبيعية في هذا الاتجاه

وهو قلب إنساني حافل بالتجارب مثقل بالقيود - وفي أولها قيد المعرفة الثقيل - ولكنه فائض بالحيوية، زاخر بالعواطف، يضطرب بين الأثقال ويتفلت من هذه القيود. والمؤلف الواعي يسجل كل حقيقة وكل اختلاجة في دقة كاملة ويبطن ذلك كله بالدعابة الساخرة التي لا تنجو منها شخصية من شخصيات القصة جميعاً!

وهي من حيث كونها قصة تقف في أواسط الصف؛ ولكن من حيث مزية المازني التي أسلفت الحديث عنها تقف في أول الصف بلا جدال

والذي أريد أن أقوله: إن (الحدوتة) في ذلتها قد لا تكون خير ما في القصة، ولكن الفطنة للمواقف والمشاعر، والدقة في رسم اللحظات والانفعالات، والانسياب الطبيعي الذي يشعرك أن الحياة تجري في الورق كما تجري في الواقع اليومي. . . كل هذه مزايا ذات

<<  <  ج:
ص:  >  >>