للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أخرى غريبة عجيبة لم تخطر لك على بال. . .)

ويخيل إلى أن فن توفيق الحكيم هو تنسيق للطبيعة وتهذيب، بالنقص هنا وبالزيادة هناك، حتى يستوي له خلق فيه من الطبيعة مشابه ولكنه منسق على نحو خاص يرضي مزاجه الفني الذي يجد مجاله في مخلوقات الفن المنسقة على طراز مطلوب. . . وكأنه يقول للطبيعة: إنك في منتصف الطريق، ولا تزالين تخلطين بين الجمال والقبح وبين الرذيلة والفضيلة وبين الفكر والغريزة. . . إلى آخر هذه الأمشاج؛ فدونك مخلوقات أخرى مصفاة على نحو خاص، ذات اتجاه موحد لا اضطراب فيه ولا اختلاط. . .!)

وهذه المخلوقات التوفيقية يتفق لبعضها الجمال الفني فيغنيها عن جمال الحيوية ويضعها أنداداً مقابلة لمخلوقات الطبيعة؛ ويخطئ بعضها التوفيق فتبدو باردة هامدة، ولكنها لا تهبط إلى الموت أو الابتذال

وهنا نجدنا ملزمين بأن نرد لتوفيق حقه مرة أخرى فننص على أن هذا الاتجاه لا يستغرق جميع أعماله؛ فهناك أعمال تنبض بالحياة الطبيعية والحركة الحيوية - على نحو من الأنحاء - كيوميات نائب في الأرياف، ورصاصة في القلب، وعودة الروح، والزمار، والعوالم، وراقصة المعبد، وعصفور من الشرق؛ وهي تؤلف جانباً كبيراً من أعماله الفنية المطبوعة بطابعه الخاص

وفي بعض هذه الأعمال تتهيأ الحبكة الفنية والحركة الحيوية، إلى جانب الدعابة الفكهة والسخرية العميقة. وبخاصة (يوميات نائب في الأرياف والزمار) وفيهما معالم واضحة للفن القومي المنشود!

ثم نعود إلى اصطلاح (التنسيق الفني) الذي جعلناه عنواناً لمدرسة توفيق الحكيم فنقول: إننا نعني به معنى آخر بجانب (تنسيق الشخصيات) نعني به معنى في طريقة العرض، في الأسلوب الذي تعرض به الشخصيات والحوادث والأفكار، فهذه الطريقة موحدة سواء كان المعروض قصة أو تمثيلية أو فكرة في مقالة. ولسنا نعني به ما يعبرون عنه بالحبكة، فهو أوسع من ذلك مدى. إنه (التصميم الهندسي) للعمل الفني كله، بحيث يبدو متساوقاً منسقاً مطرداً، وبحيث يتهيأ هذا العمل الفني كله في ذهن الفنان قبل أن يبدأ اللمسة الأولى، كما يضع المهندس تصميم مشروع كامل من المشروعات، ثم ينفذه بعد ذلك حسب التصميم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>