تحوي كل منهما قصة صغيرة كاملة مثل (قصته مع ساشا) يبدو فيها التناسق في أعلى مستواه
ومعنى ثالث نعنيه (بالتنسيق الفني) هو إحالة الحوادث والملاحظات إلى مواد فنية خامة في (الأستوديو) الدائب العمل! فالناس يعيشون الحياة وتوفيق الحكيم يشفق أن يعيشها وينزوي عنها مرتداً إلى نفسه ليحولها إلى عمل فني هناك، وكلما لحظت عينه أو نفسه مشهداً من مشاهدها لم يكن همه أن يستمتع بهذا المشهد وأن يزاوله ويضطرب فيه، ولكن كان همه التقاطه لأنه مادة صالحة (للأستوديو) اللعين! ومرد ذلك إلى مزاجه وتكوينه كما سلف. وكثيراً ما يكون انحراف المزاج مزية للفنان الذي يعرف كيف يحيل كل ما يصادفه إلى مادة فنية. وتوفيق من خذا القبيل. وقصة (ساشا) في (زهرة العمر) من الأمثلة على ما نقول. وغلطة هذا المزاج هي اعتبار الفن مقابلاً للحياة لا متفاعلاً مع الحياة؛ ولكن ليس من الضروري أن توافق توفيق في مزاجه لتستسيغ فنه فقد تخالفه في الرأي والإحساس، ولكنك تجد المتعة في الأثر الناشيء عنهما في الفنون
ثم نلخص إلى الحديث الخاص عن (زهرة العمر) فما قيمة هذا العمل الأخير؟ إن هذا الكتاب يستمد قيمته التي ترفعه إلى مستوى أحسن أعمال توفيق الحكيم من ثلاثة أصول
من اللهجة الإنسانية الأليفة التي صيغت بها معظم الرسائل من الألم والشك والجهاد والقلق والاضطراب والتذبذب المستمر بين الحالات النفسية المختلفة. . . هذه اللهجة التي تعقد أواصر الصداقة بين المؤلف وبين القارئ، وتشعرهما معاً أن بينهما صلة إنسانية، وأن الإنسان ضعيف أمام القوى الخفية التي تسيطر على أقدار الناس وخطواتهم في هذا الكون الكبير!
ومن (التنسيق الفني) الذي يجعل من هذه الرسائل الواقعية وحدة مطردة في سياق روائي، والواقع حين يكتسب التنسيق الروائي تجتمع له بساطة الصدق وجمال الفن، وهذا واضح في (زهرة العمر) لمن يقرؤه متنبهاً إلى التنسيق الفني الخفي الملحوظ!
ومن البيان الحي لمرحلة التكوين الفني الصحيح، حتى ليصح أن يطلق على الكتاب (سفر التكوين). فالطريق إلى النضوج الفني طويل، ووعر، ومليء بالأشواك، والفن عسير، والذي يثبت إلى النهاية هو الذي يحق له أن يتطلع إلى النجاح بعد الجهد الجهيد. . . هذه