تكلم في ذلك المتكلمون فأثبتوا وأنكروا كما يحبون أو يكرهون. فمن قائل إن العقل السامي بفطرته مستعد للاعتقاد غير مستعد للتفكير أو الخلق الفني والنظرات الفلسفية المجردة؛ ومن قائل إن العقيدة الدينية نفسها طور من أطوار الزعامة العنصرية التي تطور فيها الساميون إلى مداها الأقصى، قبل أن يخرج الآريون الشماليون من نظام القبيلة الأولى
ولا يتسع المقام للتقصي في أقوال المثبتين والمنكرين، فحسبنا أن نقف في أول الطريق على بر الأمان، فنقول إن العقائد الدينية ظهرت في السلالات السامية يوم كانت تظهر فيهم جميع المعارف الكونية والنهضات الثقافية، فلا محل لتخصيص الأديان هنا بالعنصر السامي أو اتخاذ هذه الخاصة دليلاً عنصرياً من تلك الأدلة الكثيرة التي تختلط بالعصبيات
كانت الدول الكبرى كلها قائمة في الرقعة الغربية من القارة الآسيوية، وهي الرقعة التي أقام فيها الساميون منذ مئات الأجيال. فشاعت المعارف الكونية من هذا الوطن القديم، ولم ينحصر الأمر يومئذ في ظهور العقائد دون غيرها من النهضات أو الفتوح في عالم الروح
نحن لا ننكر الفوارق العنصرية ولا نستخف بآثارها في اختلاف الأمزجة والأخلاق وتباين المشارب والميول، ولكننا لا نحب أن نعزو إلى الفوارق العنصرية إلا الذي يثبت ثبوتاً قوياً أنه راجع إليها. فلا نقول إن (العقائد) سليقة سامية إلا إذا تبين أن الآريين بمعزل عن العقائد، وأن الساميين لا يمتازون بغيرها، وأن المسألة محصورة فيهم على مدى العصور وليست مسألة عصر ومناسبة زمانية أو مكانية
كذلك نرجع إلى الروحانية بين الأديان الثلاثة فلا نجعل العنصرية حكما فيها قبل أن نستنفد العوامل الأخرى جميعاً، وإن جاز أن يذكر الاستعداد العنصري بين عوامل شتى يحسب لها حسابها في هذا الموضوع
فالذي يقال مثلاً إن السيد المسيح عليه السلام كان صاحب دعوة روحانية لا تشتغل بشئون الدنيا ولا بالمطالب العملية التي تحتاج إلى وضع النظم وفرض الشرائع، وأن علة ذلك في رأي بعض الباحثين أن المسيحية تشابه العقائد الآرية التي جعلت الدين للروح والضمير ولم تجعله لمطالب الجسد أو مطالب الحياة الاجتماعية والنظم السياسية
وهذا الذي يقع فيه الخلاف الكثير
فاهتمام السيد المسيح عليه السلام بالجانب الروحي من الدين لم يصرفه أولاً عن الجوانب