الأخرى التي تناولتها سائر الأديان، ولم يكن لفارق عنصري بين الذين خوطبوا بالدعوة المسيحية والذين خوطبوا بالدعوة الإسلامية أو الدعوة الموسوية
واهتمام السيد المسيح بالجانب الروحي ليس معناه - من الوجهة الأخرى - أن هذا الجانب لم ينل حظه من الاهتمام في دعوة محمد أو دعوة موسى عليهما السلام؛ وإنما معناه أنه جانب من الجوانب الكثيرة التي عني بها الإسلام خاصة، وكان لها سهم في العناية من وصايا الأنبياء الذين ظهروا في بني إسرائيل
وقبل أن نحصر الأمر في علة (الاستعداد العنصري) نعود إلى العلل المختلفة فنسأل: ألم تكن هنالك علل أخرى جعلت رسالة السيد المسيح أقرب إلى الروحانيات منها إلى العمليات والشئون الدنيوية؟
فإذا سألنا هذا السؤال لم نستطيع أن نقول إن السامية أو الآرية هما الحد الفاصل في هذا الموضوع
فقد كانت هنالك علل كثيرة خليقة أن تقصر الدعوة المسيحية الأولى على مواعظها الأخلاقية التي أوشكت أن تقتصر عليها
فمن تلك العلل أن بني إسرائيل كانوا أصحاب شريعة دينية مفصلة في شؤون الحقوق والمعاملات قبل أن تتجه إليهم دعوة السيد المسيح، وكانت آداب القائمين على تلك الشريعة هي موضع العهدة أو موضع الحاجة إلى الإصلاح، فلا جرم تتجه إليهم الدعوة من هذه الناحية ولا تتجه من ناحية التشريع المفصل في شئون الحكم وشئون المعيشة، بل كان من قول السيد المسيح الصريح أنه لا ينقض الناموس ولكنه يثبته ويزكيه
ومن تلك العلل أن السيد المسيح ظهر في بلاد يحكمها الرومان ويتولى إدارتها أولئك القوم الذين اشتهروا بالنظم والشرائع وتبويب الأوامر والقوانين، وما لم تكن الدعوة المسيحية ثورة سياسية معززة بقوة الجند والسلاح فلا سبيل في بدايتها إلى تفصيل الشرائع وانتزاع سلطان الحكم من أيدي القابضين عليه، وإنما السبيل لأوحد أن تنصلح الأخلاق والضمائر بالعظة والهداية الروحية على السنة التي اختارها السيد المسيح ويختارها في مكانه كل داع إلى دين جديد يتذرع إلى دعوته بالإقناع لا بالسلاح والصراع
فهذه العلة كافية لتعليل الصبغة الروحانية التي غلبت على المسيحية، وإنها لأقرب إلى