فهذه الرواية عن ابن دريد تذكرنا بالمقامة الإبليسية والمقامة الناجية من مقامات البديع.
وكذلك وصف الفرس في المقامة الحمدانية يشبه وصف الفرس في الأمالي. ويمكن إذا أريد، ذكر كل ما يخطر بالبال، أن يقال إن ابن دريد أزدى وعيسى بن هشام كأنه ينتسب إلى الازد في المقامة الفزارية.
وفي كتب الأدب كثير من القصص الصغيرة المصوغة في أسجاع مختارة وكلمات منتقاة. ولكن مهما يقل فبديع الزمان فيما نعرف، مخترع هذه القصص الخيالية التي عرفت في الأدب العربي باسم المقامات، وأما روايات اللغويين فقد رويت على أنها حقائق، وأريد بها رواية اللغة قبل أي شيء آخر، وحديث الراوي فيها مرسل لا صناعة فيه، ولا يقصد في الرواية على حين يستوي في المقامة أو يتقارب من حيث البلاغة والفصاحة حديث عيسى بن هشام وكلام أبي الفتح الإسكندري.
وأما تسمية هذه القصص بالمقامات فلأن أبا الفتح يقوم فيها واعظا أو مستجديا أو محتالا وهلم جرا. وفي القرآن الكريم:
(عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا). وفي شعر لبيد:
ومقام ضيق فرجته ... بلسان وبيان وجدل
وقد استعملت كلمة (مقامة) في معنى مقام. وفي رسائل الخوارزمي (ولكل مقامة مقالة). وفي شرح الشريشي لمقامات الحريري (والمقامات المجالس واحدتها مقامة. والحديث يُجتمع له ويجلس لاستماعه يسمى مقامة ومجلساً، لأن المستمعين للمحدث ما بين قائم وجالس، ولأن المحدث يقوم ببعضه تارة ويجلس ببعضه أخرى قال الأعلم: المقامة المجلس يقوم فيه الخطيب يحض على فعل الخير.)
والهمذاني نفسه يبين ذلك بقوله في المقامة الوعظية (قال عيسى ابن هشام فقلت لبعض الحاضرين من هذا؟ قال شخص قد طرأ لا أعرفه. فاصبر عليه إلى آخر مقامته، لعله ينبئ عن علامته)
يقول الثعالبي إن بديع الزمان أملى المقامات في نيسابور، ويظهر أنه أملى معظمها هناك، وأنه أملى بعد مقامات أخرى كالمقامات الست التي مدح بها خلف بن أحمد أمير سجستان.