والحصري يدلنا على تاريخ المقامة الحمدانية يقول إن البديع أملاها في شهور سنة خمس وثمانين وثلاثمائة: وأظنه أملى معظم المقامات قبل هذا
هل ارتجل المقامات؟
يروي الشريشي عن بعض أشياخه أن البديع ارتجل المقامات، وأنه كان يقول لأصحابه اقترحوا غرضاً نبني عليه مقامة فيقترحون ما شاءوا فيملي عليهم المقامة ارتجالا. ولا أحسب هذا حقاً، فبديع الزمان نفسه لم يدع هذا، وقد فخر بالمقامات على الخوارزمي وتحداه أن يأتي بمثلها، ولم يتحد بذكر الارتجال، بل قال انه أملاها والإملاء لا يقتضي ارتجالا.
موضوع المقامات
أراد البديع بمقاماته أن يدل على تمكنه في اللغة ومكانته من البلاغة، وقدرته على تصريف القول في فنون شتى. هذا غرضه الأول، وقد سلك إلى هذا الغرض موضوعات كثيرة
وليست الكدية موضوع المقامات كلها، بل كثير منها لا كدية فيه، وفي كثير منها لا يقف أو الفتح موقف المستجدي إلا في آخر المقامة وبعضها ليس فيه إلا الاستجداء كالمقامة الساسانية والمجاعية والبخارية والمكفوفية.
ومن أغراض المقامات الوعظ كالمقامة الوعظية والأهوازية، وفي بعضها الألغاز كالمغزلية والإبليسية. وبعضها أنشئ للمدح وهي المقامات الست التي مدح فيها خلف بن أحمد: الناجية والخلفية والنيسابورية، والملوكية، والسارية، والتميمية. وبعضها يتضمن الحجاج في المذاهب كالمقامة المارستانية، وبعضها للكلام عن الشعراء ونقد الشعر، كالمقامة القريضية والشعرية والعراقية والابليسية، وبعضها يتضمن حوادث زمانه وأخلاق معاصريه وأحوالهم، كالمقامة الأسدية والخمرية التي نرى فيها أبا الفتح إماماً في مسجد يشم رائحة الخمر من عيسى بن هشام وأصحابه فيزجرهم ويشتمهم، ثم نراه بعد في حانة يلقاه فيها هؤلاء، وكالمقامة الرصافية التي ذكر فيها أصناف اللصوص وحيلهم. وهي تشبه القصيدة الساسانية لأبي دلف الخزرجي، معاصر بديع الزمان.
وهو في هذا الضرب من المقامات كالمقامة المغيرية، والحلوانية، يبين عن علم واسع