من المغول، وانفصمت بينه وبينهم الأواصر، ووقعت العدواة بينه وبين ابن عمه هلاكو، وثارت الحرب بينهما. فأمر بركة جنده الذين كانوا في جيوش ابن عمه أن يخذلوه ويرجعوا فإن لم يستطيعوا فليتوجهوا تلقاء الشام ومصر ليعينوا الملك الظاهر بيبرس على هلاكو. فانظر إلى أمراء المغول الذين شاركوا في تدمير البلاد الإسلامية، وقاتلوا المصريين في عين جالوت وغيرها، يقودهم الإسلام إلى مصر نجدة للمسلمين على حرب هلاكو وأشياعه
بلغ أمراء بركة دمشق في السابع والعشرين من ذي القعدة سنة ستين وستمائة، وهم زهاء مائة معهم نساؤهم وأولادهم، وأخبروا بانتصار بركة على هلاكو فشاعت البشرى في الشام ومصر، وسر الملك الظاهر بقدومهم، وكتب إلى نوابه في الشام فأكرموا وفادتهم وأرسل إليهم الأقوات والخلع. ثم ساروا إلى مصر، فبلغوا القاهرة يوم الخميس الرابع والعشرين من ذي الحجة، وخرج السلطان للقائهم يوم السبت، وخرج أهل القاهرة والفسطاط لرؤيتهم، واحتفوا بهم حفاوة عظيمة، وانزلوا في دور بنيت لهم في اللوق، وأرسل إليهم السلطان الأموال والخيل والخلع ولعب معهم الكرة وأمر أكابرهم على مائة فارس. وأسلموا وحسن إسلامهم. ولما بلغ التتار ما نال هؤلاء من الكرامة في مصر وفدوا جماعة بعد أخرى. وقدم البريد من حلب في ذي القعدة سنة إحدى وستين بأن جماعة من التتار يزيد عددهم على الألف ومعهم ثلاثمائة فارس من المغل قادمون إلى مصر؛ فأمر السلطان بالحفاوة بهم، ثم استقبلهم حين قدموا كما استقبل إخوانهم من قبل ولحقت بهؤلاء جماعات أخر
وتوالت الرسائل بين الملك الظاهر بييرس وبين الملك بركة خان وحرضه الظاهر على جهاد هلاكو ومحاربة التتار ولو كانوا أهله (فأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل عشيرته الأقربين وجاهد قريشاً، وليس الإسلام قولاً باللسان، والجهاد أحد ما له من الأركان)
كذلك سبق بنو باتر إلى الإسلام وشرع الدين الحنيف يفتح قلوب التتار، ويدخلهم في اخوته وينظمهم في جماعته ويطبعهم بحضارته. وهزم بالدعوة الظافرين بالسيف، وغلب في السلم الغالبين في الحرب، ولم تستعص قسوة التتار على هدى الإسلام ولا كبرياؤهم على عزته، ولا عداوتهم على مودته، ولا إفسادهم على إصلاحه، ولا تخريبهم على تعميره. وإنها لآية من آيات هذا الدين، وحجة على من زعم أن الناس دخلوا في الإسلام كارهين