يفتحوا عيونهم وعيون الناشئين في الجيل الجديد على هذه الحقيقة دائماً ويمسكوا بعرى أسبابها، ويعرفوها معرفة الرأي في عقولهم والدم في قلوبهم
وعبث لا طائل وراءه، بل عناء ضائع، بل جريمة موبقة أن يتجه محبو الإصلاح بقلوب الناس إلى قطب غير قطب تلك الحقيقة، فإنه لا حق ولا طهر ولا عدالة ولا أمانة إلا في محيطها
فليعرف ذلك الذين يدعون إلى تأسيس حضارة نفسية جديدة ويريدون أن يلائموا بين سياسة الاجتماع الإنساني والسياسة التي تتجلى في الطبيعة كلها
وحسب الإنسانية ما مضى من تجارب الشرود والجحود واللعب بالألفاظ. والانطلاق وراء خداع الفلسفات الشاذة وافتنان أرباب (الترف العقلي) الذين يتشهون كل غريب من الآراء يقدم إليهم على موائد الفكر، كما يتشهى أرباب الترف المادي كل غريب يقدم إليهم على موائد البطون
- ٢ -
آمنوا بالإنسان الذي تحملونه في أجسادكم، وتستوحونه في أفكاركم، وتبادلونه ما صح وما فسد من شئونكم!
آمنوا به لتؤمنوا بالكون ورب الكون. . . فلن يؤمن بهما من لم يؤمن به؛ لأن عقله هو المنظار الذي ترون به كونكم وربكم. فإذا أهدرتم قيمة الإنسان أهدرتم عقله، فلم يبق لكم ما تدركون به وجودكم وربكم!
ولكي تدركوا اللمحات التي تتراءى في أعماق معنى الإنسانية حاولوا أن تتحروا وتتجردوا وتخرجوا من نفوسكم ونوعكم وترصدوا الإنسان بعيون غريبة عنه وتروه بنظرات الملأ الأعلى ممن هو فوقه، والملأ الأدنى مما هن دونه!
فأيقظوه لنفسه، ونبهوه إلى امتياز وضعه، وأقروه ما يكتبه الآن على صفحة الأرض
واتركوا الجدليات القديمة حول قيمته فقد هدرت شقاشقها حين كان عاجزاً عن شق الطريق أمام فكره
اخرجوا من غبار التاريخ القديم، وافتحوا عيونكم على العالم كمخلوقين الآن، تفكيرهم ابن زمانهم هذا، ومنطقهم من وقائع الحاضر