انظروا إلى الإنسان في نصابه الأعلى دائماً، ولا تنظروا إليه في حضيضه الأدنى، فإن من طبيعة كل كائن حي أرضي أن يكون له جذر في الطين والعفونات، أو أصل في الدم وبعض القاذورات
وإن النطفة التي خلق منها الإنسان أخلاط وأمشاج أخذت من العناصر الحادة والقوى العمياء، ما يجعله منها على اضطراب وابتلاء. . . وإن الفرد يحمل في مجاري طعامه وفي أحشائه أوضاراً وأقذاراً نجسه تشمئز منها نفس حاملها، ومع ذلك هو يقنع من نفسه بتقدير الوجه والرأس الذي يحمل الشخصية وقوى الفكر. . .
فلا تنظروا دائماً إلى الذين هم فضلات في جسم الإنسانية، وتتخذوا منهم (مقطع) النظر إليها جميعاً. فيحملكم ذلك على التشاؤم والسخط والشك في الخير والجمال الذي فيها
هم كالثمار الفجة المعطوبة عطبت وتلوثت، لأنها سقطت لضعف روابطها بفروع الشجرة التي تسمو
إننا نحمل اقباساً منيرة مطهرة من عالم الحق والطهر والجمال ولكنها وضعت في أجسامنا: تلك الأوعية الطينية السريعة التعفن. فمن الناس من يدوم على تطهير وعائه وصقله حتى يستحيل إلى زجاجة شفيفة رائعة تساعد ذلك القبس على السطوع والإشراق
ومنهم من يتركه كما هو من غير تطهير وصقل بالعلم والتهذيب فيظل معماً ويحول بين ذلك القبس وبين السطوع الكامل. . .
ومنهم من يضع في ذلك الوعاء ما يزيده عتمة وكثافة تطغي على ذلك القبس وتمحق شعاعه وتجعله منيع ظلام
فلأجل النور! نبهوا كل مصباح إلى رسالته، وحولوا بين الظلام وبين زجاجته. . .
ولا تحملنكم حياة الظلام الراهن على أن تتشاءموا وتسخطوا وتحطموا ما بقى لكم من مصابيح، فتعيشوا في عمياء نهارها كليلها. . .
وصدقوا الحياة وكذبوا المتكلمين الذين يعارضونها، ويزعمون أنهم أصدق منها، ويغرون الناس بسبابها وتحقيرها، ويملئون قلوب فتيانها الناشئين بأحاسيس السخط عليها قبل أن ينالهم منها ما يبرر ذلك، ويخلقون لأنفسهم عوالم خيالية منفصلة عن الحياة ومنطقها العملي، ويقذفون بكلمات جوفاء على كلمات البداهة والطبع فيحجبونها عن أنظار