للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

امرأة من النساء تسمع من نعتها وحليتها وصفاتها؟ لولا أن كنت اليوم شاهدي لما حدثتك بحرف. يقول الناس: ما فعل الله بابن أبي ربيعه؟ ما زال يمد عينيه إلى كل غادية ورائحة حتى أفضى إلى الثريا، فتعلق منها بنجم لا يناله وإن جهد. وإنها لعرضة ذلك جمالاً وتماماً، وإني لخليق أن أفنى فيها نور عيني وقلبي. ويقول الناس: ما الثريا؟ إن هي إلا امرأة دون من نعرف من النساء حسناً وبهاء. وقد والله كذبتهم أعينهم، وإني لبصير بالنساء خبير بما فيهن، ولئن كنت قد عشت تبيعاً للنساء أنقدهن نقد الصيرفي للدينار والدرهم فأنا أهل المعرفة أحقق جيادها وزيوفها بأنامل كالميزان لا يكذب عليها ناقص ولا وافٍ

ما يضيرك يا ابن أبي عتيق أن ترى الثريا أو ولا تراها، فإنك لا تراها بعيني، وإنما أنت من الناس تضل عن جمالها حيث أهتدي إليه، وتسألني كيف أراها؟ فوالله إن رأيتها إلا ظنت أني لم أرها من قبل، فهي تتجدد في عيني وفي قلبي مع كل طرفة عين، ولئن نعتها لك فما أنعت منها إلا الذي أنت واجده حيث سرت عن النساء: غادة كالفنن الغض يميد بها الصبا وسكر الشباب، لم ترب ربوة الفارعات، ولم تدف جفوة البدينات، ولم تضمر ضمور الهزولات، ولم تمسح مسحة الضئيلات، ولم تقبض قبضة القصار القميئات، فتم تمامها بضة هيفاء أملوداً خفاقة الحشا هضيمة الكشحين مهفمفة الخصر، تتثنى من اللين كأنها سكرى تترنح. فلو ذهبت تمسها لمست منها نعمة ولياناً وامتلاء قد جدلت كلها جدل العصب، فهي على بنانك لدنة ترعد من لطفها واعتدالها. وانظر بعيني يا ابن أبي عتيق، تبصر لها نحراً كذوب الفضة البيضاء قد مسها الذهب؛ فلا والله ما ملكت نفسي أن أعب من هذا الينبوع المتفجر. إلا تقي لله أن أدنسه بشفتين ظامئتين قد طالما جرى عليهما الكذب والشعر. أما وجهها فكالدرة المصقولة لا يترقرق فيه ماء الشباب إلا حائراً لا يدري أين ينسكب إلا على نحرها الوضاء، يزينه أنف أشم دقيق العرنين لطيف المارن؛ فإذا دنوت إليها فإنما تتنفس عليك من روضة معطار أو خمر معتقة، فاذهب بنفسك أيها الرجل أن تزول عن مكانك كما يقول صاحبنا جميل:

فقام يجرُّ عطفيه خُماراً ... وكان قريب عهد بالممات

ودع عنك عينيها يا رجل، فلو نظرت إليك نظرة لوجدتها تنفذ في عينيك تضئ لقلبك في أكنته مسارب الدم في أغوار جوفك، ولتركتك كما تركتني أسير بعينين مغمضتين ذاهلتين

<<  <  ج:
ص:  >  >>