فأوجز ما نقول وأصدقه أن الجرأة كل الجرأة هي في إقدام الكاتب على مثل هذا الكلام وهو يضع نفسه موضع الحكم الفصل في أخبار السيرة ومراجع الأحاديث والمحدثين مع قصور المراجع التي عنده وقصوره في البحث عنها، واستيفاء مواضع الاستقصاء منها، في مسألة بعينها هي معروضة له ومبسوطة بين يديه
ولا معابة على أحد أن يفوته بعض المراجع التي لا تفوت غيره، ولكن المعابة أن يبحث عنها عامداً فلا يهتدي إلى طريقها، وهو يتحدى ويناجز ويتهم ويعاجز، وبه ما به من هذه اللهفة على إظهار العلم الغزير وإغلاق موارد البحث دون الباحثين
تلك معابة معابة على من يحسب أنه يتحرى وحده ويبحث وحده مكتفياً بما في يديه غير مستزيد مما عنده. ثم هو يبسط يديه معاً إلى أقصى مداهما فلا تبلغان ميسور ما في الأيدي من المراجع في باب السير وكتب المحدثين
فليعلم هذا الكاتب - الجريء - إذن أننا لم نخترع هذه القصة من عندنا، وأننا لم نرها في كتاب من كتب السمر ولا في كتاب من الكتب التي يعوزها الاحترام؛ لأن شرح شمائل الترمذي ليس اختراعا لمؤلف (الصديقة بنت الصديق) ولا حكاية من حكايات الأسمار، ولا هو مهزلة يعوزها احترام مثله، وهو لا يرتقي إلى منزلة التلميذ المستفيد بين أصغر شراح الترمذي في أخبار السيرة وعلم الحديث
فشمائل الترمذي وشروحه من أشهر كتب السيرة التي يتسامع بها العلماء الواصلون والشداة المبتدئون، وهذه القصة مذكورة في شرح الشمائل للعلامة محمد بن قاسم جسوس يراجعها في الجزء الأول صفحة ٢٩ من الطبعة المصرية وفي صفحة ٤٠ من الطبعة الخارجية، ليعلم أننا لا نخترع ولا نعتمد على كتب الأسمار، وأنه لا يزال يتهجى في مراجعة فهارس المكتبات ليعلم أين يكون البحث وكيف يكون الاستقصاء، ودع عنك المطولات والمبسوطات، ودع عنك الشروح والأصول
وظاهر من كلام هذا الكاتب الجريء الذي نقلناه والذي لم ننقله أنه يتتبع ما ألفناه من كتب (العبقريات) واحداً بعد واحد، وأنه على اللهفة التي ما بعدها لهفة للعثور على هفوة هنا أو نقيصة هناك، ثم يطلق عقال الحفيظة ليثور ويفور، ويبلغ قصاراه من الثوران والفوران
فإذا كان قد أضنى نفسه بحثاً في خمسة كتب أصدرناها من سلسلة العبقريات وما إليها فلم