يخرج منها - مع تلك اللهفة وذلك التجني - بغير تلك القصة، فهل في وسعه أن يشهد لباحث في المشرق أو في المغرب بتحقيق أوفى من هذا التحقيق، وفضل أشرف من هذا الفضل، وعناية أكبر من هذه العناية؟
أين هو الباحث الذي كتب في السيرة أو غير السيرة، وبين المتقدمين أو غير المتقدمين، ثم تعقبه المغيظون المتلهفون على الأخطاء فعصموه عن حكايات فضلاً عن حكاية، وعن مخالفات لآرائهم فضلاً عن مخالفة واحدة؟
صفحات تتجاوز المئات إلى الألوف كلها تنزيه للنبي وتعظيم لأصحابه وأنت في لهفتك على المعابة تجحظ عيناك في كل سطر منها فلا تقع على غير تلك القصة التي لا تضير ولو كذب رواتها جميعاً ثم تخرج بها إلى الناس نافخاً في الصور، متشدقاً بعظائم الأمور، ناسياً لصاحب تلك الصفحات كل ما أصاب فيه، ولو كنت على يقين وأنت كما رأيت لست على أقل يقين!
هب العلامة ابن قاسم الذي شرح شمائل الترمذي قد روى ما رواه خطأ من شعر عروة بن الزبير، وهب عروة لم يقل هذا الشعر ولم تنشده السيدة عائشة، فماذا في الرواية مما لا ينبغي للسيدة عائشة أو مما لا ينبغي للنبي عليه السلام؟
هل فيها إلا أن السيدة عائشة كانت تثني على جمال النبي وأن النبي كان يسره هذا الثناء؟
أهذا الذي لا ينبغي لعائشة رضى الله عنها ولمحمد صلوات الله عليه؟ كلا بل هذا الذي ينبغي لهما دون غيره، ومن أنكره فهو الكاذب الذي لا يفقه ما يقول
وهأنذا أعيدها جهرة بغير سند ولا رواية من شاعر أو فقيه: لقد كانت عائشة تثني على جمال محمد وكان محمد يرضى عن هذا الثناء
أسمعت يا هذا؟
مرة أخرى أعيدها لك ولغيرك ممن يشاء أن ينكرها، فأقول ثم أعيد أن عائشة أثنت على جمال محمد غير مرة وأن محمداً رضى عن هذا الثناء في كل مرة، فإن كانت قد بلغت أذنيك فاذهب إلى صورك فانفخ فيه ما بدا لك، وادع من يستمع لك أو يستجيب
فليس في القصة ما يدعو إلى الاستنكار والتردد من وجهة الأدب في حق النبي عليه السلام، ويجوز من الوجهة التاريخية أن يكون عروة قد ولد بعد العهد الذي ذكره الرواة