الإنسان. فلا شك في أن الحياة تحاول ما استطاعت أن تسخر من قيود المادة، ونحن نضحك ونسخر إذا ما رأينا كائنا حيا يتصرف كما تتصرف الكتلة المادية الجامدة، كان تزل قدمه فيسقط بقوة الجاذبية كما تسقط قطعة الحجر.
يتضح من لك أن الحياة قد سارت في تطورها خلال مراحل ثلاث:
الأولى: مرحلة النبات إذ كانت أقرب ما تكون إلى سكون المادة وجمودها.
الثانية: مرحلة الحيوان الغريزي كالنحل والنمل الذي يتحرك ويسعى، ولكن في حدود مرسومة وخطة معلومة.
الثالثة: مرحلة الحيوان الفقري، الذي أخذ يسير في طريق الفكر، ولن يزال هذا الفكر ينمو ويشتد ويستقيم، فهو ذخر الحياة وأملها الذي سيحقق لها ما تنشد من حرية.
هذه الحياة التي لا تفتأ تخلق وتغير وتبتدع، والتي تلتمس الحرية من قيود المادة، هي الله، فالله والحياة اسمان على مسمى واحد. ولكنه اله ذو سلطان محدود بقيود المادة، وليس مطلق الإرادة كما تصوره الأديان، الا أنه دائب في التخلص من أغلاله وأصفاده؛ وأغلب الظن أن الحياة ستظفر آخر الأمر، ونكاد نوقن أنها ستتغلب على الموت، فيتحقق لها الحرية والخلود. فكل شيء جائز في نظر الحياة ما دام في الزمن امتداد.
وبعد. فما أجمل أن يرتفع صوت برجسون بشيرا بما في الكون من حياة فعالة خالقة، ليقف تيار المادية الذي طغى على أوربا في القرن الماضي، حتى غمرها بين ثناياه، وكم كنا نود أن نشترك معه في ثل ذلك العرش الذي كان يتربع عليه اله العقل، ولكن على شريطة الا يدعونا إلى تقديس اله آخر: هو البصيرة؛ لأنها قد تخطيء كما تخطيء الحواس.