فرضنا أنها تكونت بعد سلسلة من الاطوار، فهل من اليسير أن تقنع عقلا سليما أن تلك الأدوار التي مرت بها عين الإنسان تطابق تمام المطابقة الدوار التي مرت بها الحواس الابصارية لأنواع الحيوان جميعا؟! مع أن الانتخاب الطبيعي أساسه المصادفة المحضة! وهل من الجائز أن تكون سلسلة المصادفات التي تعاقبت على عين الإنسان وأذنه وأنفه وسائر أعضائه الأخرى هي التي تعاقبت على أعضاء الحيوانات جميعاً؟!
وإذا سلمنا (جدلا فقط) بأن تلك المصادفة السحرية العجيبة جائزة في أنواع الحيوان لتشابه المؤثرات التي تحيط بها جميعا. فما قولك في الحيوان والنبات، وهما نوعان يسيران في طريقين مختلفين أتم اختلاف؟ كيف يتفق الاثنان على طريقة واحدة للتناسل؟ كيف يوفق الحيوان، عن طريق المصادفة، إلى اختراع الذكورة والأنوثة أداة للتكاثر، ثم يوفق النبات نفس هذا التوفيق وعن طريق المصادفة أيضاً؟!!
كلا! يستحيل أن يكون هذا الأساس الواهي قاعدة التطور، ولابد أن يكون في أجزاء الوجود (مهما تنوعت أشكالها) قوة كامنة متشابهة في الجميع؛ هي الحياة. وهذه الحياة الحالّة في كل شيء تخلق فيه ميلاً خاصاً وتوجيهاً معينا يؤثران في كل جزئي من جزئياته، وهكذا يظل الجسم المادي يتشكل ويتغير حسب ذلك التوجيه الذي تمليه تلك الحياة الدافعة الكامنة فيه. وليس ثمة قوة خارجية تعمل على التطور كما خيل إلى دارون وأشياع مذهبه.
هذه الحياة الشاملة تسعى جهدها للتغلب على الجمود المادي وطمس معالمه من الوجود، فهي تتغلب على الموت بالتناسل، وأن ضحت في سبيل ذلك الافراد؛ وهي تبذل كل ما تملك من قوة لتحرير نفسها من قوانين المادة وأغلالها؛ فوقوف الحيوان وسيره وسعيه وكل ما يأتي من ضروب الحركة والنشاط، هو في الواقع تحد من الحياة لتلك الأغلال والقيود.
كانت الحياة في مبدأ ظهورها أشبه ما تكون بالمادة في جمودها واستقرارها، لأنها كانت تتمثل في النبات وحده، والنبات كالجماد في سكونه واستحالة سعيه وحركته؛ ولكنها ما لبثت أن نشدت الحرية من تلك القيود المادية؛ وراحت تسعى وراء ذلك المثل الاعلى، فاخترعت أنواع الحيوان، وزودتها بشتى الأعضاء التي يستطيع أن يحقق بها شيئا من تلك الحرية المنشودة، ثم ما لبثت أن عقدت أمالها في واحد من تلك الحيوانات جميعا: هو