الحياة، حتى يتناولها تيار الحركة الدائم الذي يربط أشتاتها ويكون منها حقيقة واحدة يطرأ عليها التغير والتبدل كلما مر عليها شطر من الزمان.
صحيح أن كل صورة حسية هي جزء من الحياة، ولكن مجموعها لا يكون مجموعة الحياة، إلى أن يتحقق في أجزائها شرط الاتصال والربط، فكما أن كل جزيئي من الخط المنحني يمكن أن يكون جزءا من خط مستقيم بدليل أنهما يتماسان في أي نقطة شئت، ومع لك لا تستطيع أن تقول: بما أن أجزاء هذا هي أجزاء ذلك، إذن فالخط المنحني هو خط مستقيم؛ كذلك قل في الحياة والمظاهر الطبيعية، فليست الحياة هي مجموعة المظاهر الطبيعية، على الرغم من أن تلك المظاهر هي الجزئيات التي تتكون منها الحياة.
يستنتج من هذا أن العقل ليس هو الأداة الصالحة لأدراك الحياة، لأن هذا مطلب فوق مقدوره واكثر مما يستطيع، إذ العقل كما بينا يميل إلى استعمال الوجود لصالحه، وهذا الاستعمال يتطلب منه وقف تيار الحياة الذي يدب في الكون، وتجزئة الوجود للتمكن من بعضه، فالعقل والحواس آلات للتجزئة، والغاية منهما تيسير الحياة لا تصوير الوجود، أي أنها تتناول الوجود في ظاهره ولكنها لا تنفذ إلى باطنه. . . ولما كانت المعرفة الحقيقية هي التي تتمشى مع الوجود في تحوله، وتتغلغل في باطن الاشياء، وتحسها إحساسا مباشرا كما يحس الحمل الوديع وجوب الفرار من غائلة الذئاب؛ فالبصيرة وحدها هي الأداة الصالحة لذلك النوع من المعرفة المباشرة، لأنها حاسة الحياة التي تنقل تلك الوحدة الحيوية التي تربط أجزاء الوجود.
التطور خلق وإنشاء
لا يمكن أن يكون تطور الحياة على تلك الصورة البشعة القاسية التي رسمها دارون وسبنسر، إنما التطور خلق مستمر، وتجديد متواصل، وتغير لا ينقطع.
الانتخاب الطبيعي عند دارون هو الأساس الذي تقوم عليه نشأة الأعضاء والوظائف والأنواع. ولكن لم يكد يستوي ذلك المذهب على قدميه، حتى أحاط به من الصعاب والمشكلات ما لم يقو على رده فكاد يخر صريعاً وهو ما يزال في يفاعته.
كيف يستطيع الانتخاب الطبيعي أن يفسر نشأة حاسة الأبصار مثلا! أولا، لا بد أن نسلم بأنه من المستحيل أن تكون العين قد نشأت على هذه الصورة المعقدة من بادئ الأمر، فإذا