إنها ترجع إلى النبع الأول تستقى منه، وإلى الناموس الخالد تتوخاه، ترجع إلى الحياة الطبيعية فتتلقى عنها مؤثرات الإحساس، وقواعد المنطق، وطرائق التعبير، كما تتلقى أصول السلوك ونواميس الآداب وقوانين الأخلاق سواء بسواء
ولكن عدداً من المدارس يمكن أن يتتلمذ على الحياة ثم يختلف في مناهج الدراسة. وهنا تسعفنا نسبة المدرسة العقادية إلى (الحيوية) في تحديد المنهاج. فالحيوية الفائضة المتدفقة، الحيوية الظاهرة والباطنة، حيوية الحس والوجدان، حيوية الطبع التي تفيض على الحواس والذهن والضمير في آن. . . هي السمة التي تعجب بها مدرسة العقاد، والتي تصدر عنها في السلوك والاعتقاد، وفي الفنون والآداب
ولما كانت الحياة هي الأستاذ الأعظم للمدرسة، فلا عجب أن يكون طابعها هو الاستقلال في التلقي عن هذا الأستاذ - في حدود السمات العامة لها - وأن يكون عمل العقاد فيها هو عمل الرائد الذي يكشف النبع، ويمهد إليه الطريق. وهناك يلتقي تلاميذه ومريدوه - وهو معهم - بين يدي الأستاذ الأعظم. وفضله عليهم هو فضل السبق والإجادة، وعملهم معه هو عمل المتذوق الفاهم المريد، لا عمل المقلد الناقل المقود. فليس بتلميذ أصيل في مدرسة العقاد من يغفل عن نفسه ليقلده، ومن يسلك طريقه ولا يستمد من النبع الخالد معه، لأنه إنما يضيع في هذا السلوك سمة المدرسة الأصلية، وهي سمة الاستقلال في الأخذ المباشر عن الحياة.
والعقاد - رائد هذه المدرسة - هو ابن الحياة البار. ابن هذه الحياة القائمة على هذا الكوكب، لا أية حياة أخرى في أي كوكب آخر، هذه الحياة بقيودها وضروراتها، وبآمالها وأشواقها. الحياة الظاهرة للحس واللمس، والمكنونة في القلب والضمير. وهو - قبل كل شئ - إنسان حي، ملء إهابه حياة، بل هو رسول من رسل الحياة المفوضين، وداعية من دعاتها المخلصين
وما عن ضيق في آفاق النفس والحس تستغرق الحياة حس العقاد ونفسه، ولكن عن سعة وضخامة في هذه الحياة تستغرق الحس والشعور
يا طالباً فوق الحياة مدًى له ... يسمو عليها، هل بلغت مداها
ما في خيالك صورة تشتاقها ... إلا وحولك لو نظرت تراها