يقول (جابريول): وفي ديوان (دي نواى) شعر مجوني شهواني لم تصنفه قلبها امرأة، تبرز فيه الحواس متيقظة، تتروح وتتلمس وتتذوق، شعر امرأة تتنشق وترشفها، وتتروح الطيوب العابقة من بلاد المشرق.
(عبير المسك، والأرز والورد يضمحل مع الرياح
والحب يعيده وينشره بأنامله الإلهية في جوف أريكة ملتهبة)
شعر امرأة وصفت العناق بكلمات رقيقة، لها وسوسة القبل وحلاوة العناق.
(وأنا لا أزال أرتقبك لأتذوق هذا السكر الفاسق.
أحلم بنظرتك الطافحة حبا، وبذراعيك العاريتين، وبعطفك الجميل الذي يطير عذبا. . .
ومن مقاطيعها الخالدة ما أوحاه إليها الموت، والموت عندها هو البلد المجدب، حيث لواء الحب فيه غير خفاق. وهذه الفكرة قد تحتلجها كثيرا وتحملها على استحضار الأسقام حين يغيض ماء الشباب، كأنها وثنية يروعها القبر الذي يمثل لها ساحة العدم، وطالما ذكرت الموت فثارت، وهاج قلبها واحتد عقلها وأعلنت حواسها العصيان على (عالم النسيان)
(أيها الموت! أيها السر الجديد! أيها الدرس الذي لا يتبدل.)
ولكن امرأة حية مثلها (ما خلقت لتموت) فكم مرة أعلنت بصفاء نفسها - في أشعارها - أنها لا تريد أن تموت. . . فهي طورا تجرب أن تستأنس بالعدم بواسطة الملاصقة.
(أيها الوجود الذي همت فيه كثيرا
سيأتي يوم تغتمض فيه عيناي. . .
فأحلم، وأنا ملتهبة معتزلة. بآخر شيء على العارض تهافت عليه ناظري عند الرحيل)
وتارة تعلل نفسها بإمكان التقمص والاستحالة.
(أيها الوهم المشتت! ألا تسمع صوت الأرض التي تشق؟)
مثلها كمثل الوثنيين الذي يكتبون ويعلمون (ألا شيء سيحيا بحرارة عروقه). وراء ذلك كله تعتمد على خلودها الأدبي الذي يقدر على استنقاذها من الردى.
(أكتب لليوم الذي أحول فيه رفاتا.
ليعرف الجيل القادم مبلغ ارتياحي للهواء والهناء. اكتب لأكون محبوبة بعد الموت.
إذا ما تلا أحد الفتيان ما كتبته، يحس قلبه يخفق، ويرتعش ويضطرب.