اللغة الفصيحة إلى الآن ولا يقيم الغريب عندهم أكثر من ثلاث ليال خوفا على لسانهم. اهـ)
والزبيدي يمني نشأ في اليمن قريباً من جبل عكاد وتوفي بمصر منذ مئة وخمسين سنة. وقال ياقوت في معجم البلدان:(جبلا عكاد فوق مدينة الزرائب وأهلهما باقون على اللغة العربية من زمن الجاهلية إلى اليوم لم تتغير لغتهم بحكم أنهم لم يختلطوا بغيرهم من أهل الحضر في مصاهرة، وهم أهل قرار لا يظعنون عنه. اهـ)
وحدثني العلامة المرحوم الشيخ أحمد الإسكندري في إحدى جلسات مجمعنا هذا قال: إن السيد عبد الرحمن الكواكبي المعروف في القاهرة أخبره أنه في أثناء سياحته في جزيرة العرب مرَّ بجبل عكاد المذكور فوجد أهله كما وصفهم ياقوت والفيروز ابادي والزبيدي. قال الكواكبي: ولكن العكاديين يسكّنون أواخر الألفاظ ولا يُلحقون بها حركات الإعراب. وعقب الإسكندري على هذا بقوله: يظهر من قرائن الأحوال ومن طروء الشذوذ على الأفكار أن اللغة العربية ستفقد في المستقبل مزيتها هذه. فقلت للشيخ الإسكندري، وقد بدأنا العمل بتلك الرخصة حينما نقرأ (الأنساب) و (أرقام الحساب) فنقول في الأنساب مثلاً: جاء الشيخ محمدْ بنْ يوسفْ بنْ خالدْ بنْ عبد الله، هكذا من دون إعراب. ونقرأ أرقام الحساب، فنقول غيرَ ملومين: سافر فلان إلى أوربا سنةَ ألفْ وثلاثمائةْ وثلاثْ عشرةْ مثلاً. على أن بعض علماء العربية رخّص في تسكين الأعداد وحدها.
ثم إن الشيخ الإسكندري رحمه الله حوقل وتعوذ إلى الله من هذا المصير، وتمنى ألا يعيش إلى ذلك الزمن الذي تفقد فيه اللغة حِليتها. وتتعرَّى من أعلاق زينتها
حقاً إن تعوّذ المرحوم الإسكندري من هذا المصير للغة في محله، لأن التفريط بحركات الإعراب تفريط بها نفسها وإضاعة لمزية من أكبر مزاياها. وهو فوق ذلك يحدث بلبلةً في تفهم آيات القرآن ونشر تعاليمه بين الناطقين بالضاد إن بقيت الضاد ضاداً. ونحن نشاركه في الحوقلة والتعوّذ. ونسأل الله أن يصون لغتنا، وأن يُبقي مجمعنا (مجمع فؤاد الأول) حارساً لها، عاملاً على سلامتها، في كنف المليك المعظم فاروق الأول، كما نضرع إليه سبحانه أن يجعلَ القرآنْ تعويذة لجلالته من صروف الزمانْ، ويزيدَه توفيقاً في ما يروم من إسعاد العرب، وجمع شملهم وتوحيد كلمتهم، إنه سميع مجيب.