وكم سقتني المر أخت لها ... فرحت أشكوها إلى التاليه
فأسلمتني هذه عنوة ... لساعة أخرى وبي ما بيه
ويحك يا مسكين هل تشتكي ... جارحة الظفر إلى ضاريه
- والحياة ما هي؟ لجهلنا في الظاهر، ولغرورنا في الحقيقة، نزعم أنها ذلك القبس الذي هبط من نور السموات إلى سواد هذه الأرض. ولو أنها كانت من السماء لما دنست ذلك الدنس، ولا كدرت تلك الكدوة. بل لكانت نوراً صرفاً وحباً محضاً، ولرجعت دوماً إلى أصولها السماوية، فكانت صفواً زلالاً، وسحراً حلالاً
- الحياة. هي تلك المأساة العظمى التي يمثلها القدر على مسرح سعته الأرض. نأتيها كرهاً، ونزاولها كرهاً. نشعر بأن لنا اختياراً هو إلى الجبر. ونعلم بأن فينا جبراً هو إلى الاختيار. ونأبى إلا أن تكون مختارين إذا لذ لنا أن نختار، ونأبى إلا أن نكون مجبرين إذا طاب لنا الجبر. وهذه الفلاة، فلاة الجبر والاختيار، هي إحدى مصائب الحياة العظمى، فإذا أضفتها إلى كارثة الوجود ذاته، رأيت طرفاً من نقائض هذه الحياة التي تدعى أنها من أقباس السماء وما أبعدنا عن السماء أصولاً
- نولد رغم أنوفنا ونموت رغم أنوفنا. وبين المولد والممات. تتوالى الصور وتتالى الأحداث؛ فنمضي ناظرين إلى المسرح، وأفواهنا مفغورة مشدوهين عجباً. وكأننا نسأل لم المولد ولم الممات ولم ما بينهما؟ ونشعر بالعجز عن الجواب فنمضي مع الماضين نغذ السير ساعة وندلف أخرى. ولكن إلى الهاوية. . . إلى اللانهاية. . . إلى سفر الأبد الطويل. . . إلى الفوهة التي تبتلع ثم تبتلع، نهمة غرثانة جائعة
ولمَّ الشيخ عمران فضل ردائه والتف بعباءته وحيانا بيده. ثم شرع يمشي بقامته المديدة وخطواته الوئيدة المتزنة، ووجهه في هذه المرة نحو الأرض، كأنما مل مخاطبة السماء. فخيل إلى أنه يبحث في منكب من مناكبها عن تلك الفوهة الغرثانة الجائعة، يمضي نحوها ثابت القدم. . . مطمئن القلب. . . راضي النفس. . . فيلقي بها عبء شجونه، ويودعها قلبه بأسراره وآلامه وأحزانه، ولسان حاله يقول: يا ابن الأرض: إنما إلى الأرض تعود. هذا أول السفر وآخر المعاد.