فيعزونك بجمل أخرى نقشت على قلوب من حجارة وهي جميعاً صلوات ودعوات بالرحمة وطلب الصبر. وإنما هي من الألسنة لا من القلوب والصلاة التي لا تصدر من القلب لن تجد إلى الله طريقاً. وإذا ضلت الصلاة طريقها إلى الله فما جدواها؟
- لقد مات ذلك الصغير، ففي ذمة الأزل، وفي ذمة اللانهاية، وفي الزمان ينساب عليه انسياب الماء اللين الهادئ إلى لا غاية. وما موته إلا ظروف الزمان. وما أظلمنا إذ نعتب على الزمان وعلى ظروف الزمان. وإنما أعبر بالزمان عن أولئك الذين كنت أتوقع أن أرى في أعينهم دمعة واحدة تترقرق على فراقه؛ فإذا بهم ينظرون في وجهي بعيون جامدة النظرات، وقد عقدت ألسنتهم حتى عن لوك تلك الجمل المحفوظة. وما آسف على شئ، إلا أن ذلك الظرف قد حرك في في نفسي تلك الأفعى الجبارة، وكانت ما تزال لحسن حظي وسنانه نائمة: حرك الحقد والضغينة والقطيعة. كانت نفسي كالبركة الهادئة النائمة في أحضان طبيعة وادعة، إذا مسها النسيم تحركت أمواجها حركة لطيفة تمر بخاطري كحلم لذيذ؛ فلما هبت عليها هذه العاصفة تعالت أمواجها وتلاطمت حتى كدر ماؤها، واحتمل زبداً رابياً تهدر من تحته براكين الألم فتزيد ثورتها عنفاً وشدة، وذلك هو الأجر الذي ربحت بموت قطعة من نفسي: ألم القلب، وقطيعة الناس، وفراق الأبد!
أمنتك يا فراق وربَّ يوم ... حذرت لو أنه نفع الحذار
أخذت فلم تدع شيئاً عليه ... يخاف أسى ولا يرجى اصطبار
حبيب خنتني فيه ودار ... وللناس الأحبة والدِّيار
- والعمر ما هو؟ هو على التحقيق مقياس الزمن بين ساعة مولدك وساعة مصرعك، ولكن الواقع الصحيح أن عمرك قد يطول وإن قصر مقياسه الزماني، وقد يقصر وإن طال مقياسه ذاك. فليس العمر هو الأيام والسنون، بل هو اللحظات والساعات، تقيس عليها آلامك ومسراتك.
فإن طال ألمك فأنت قصير العمر وإن امتد زمنك، وإن اتصلت مسراتك فأنت طويل العمر وإن قصرت أيامك. ولكن ماذا جنبنا من اللحظات والساعات