إنه لو قال ذلك لكانت حجته أقوى وأسلم من حجة القائل أن شاعراً في العصر الإسلامي الأول لا يتأتى أن ينظم هذا البيت!
لواحي زليخا لو رأين جبينه ... لآثرن بالقطع القلوب على الأيدي
لأنه في زعمه بيت تعوزه متانة الشعر في ذلك العصر. ولو صح أن المتانة تعوزه لما كان ذلك جازماً باستحالة نظمه في عصر من العصور، لأن عصراً من العصور الأولى أو الأخيرة لن يخلو من بيت ركيك أو سخيف
ومن المصادفات الحسنة أن كلامنا في الخلاف على صاحب هذا البيت يظهر في الرسالة وفيها كلمة للأديب الداغستاني يذكر فيها أن مؤلفي (قصة الأدب) نسبا أبياتاً إلى كثير عزة وهي منسوبة في كتاب الأغاني إلى بشار. ومنها هذا البيت:
يزهدني في حب عزة معشر ... قلوبهم فيها مخالفة قلبي
وهناك قوم ينسبون الأبيات إلى ذي الرمة ويضعون (مية) في موضع عزة من البيت المتقدم، وبين العصرين دولة مضت بصدر الإسلام وأعقاب الأمويين. ومن الأبيات الثلاثة بيت يشير إلى النظر هو أليق ببشار الضرير حيث يقول:
فقلت دعوا قلبي وما اختار وارتضى ... فبالقلب لا بالعين يبصر ذو اللب
وهناك أبيات ومقطوعات وموشحات ينسبها أناس إلى شعراء من الأندلس وينسبها آخرون إلى شعراء من بغداد ولا سبيل إلى القطع بصواب النسبة إلا الرجوع إلى علامات الصناعة وعوارض البلدان، أو الرجوع إلى دليل قاطع من العقل يبطل به النقل كل بطلان
وصفوة القول أن علامات الزمن في الشعر إنما تؤخذ مأخذ اليقين إذا اتصلت بحدود الصناعة وأوقاتها، ولكنها فيما عدا ذلك لا تبلغ مبلغ اليقين إلا بدليل قاطع من العقل أو دليل قاطع من النقل، أو بالدليلين معاً مجتمعين. وليس من ذلك هذا الزعم الذي أتى به المعترضون على رواية البيت المنسوب إلى عروة ابن الزبير في كتابنا (الصديقة بنت الصديق)
وهؤلاء المعترضون يزعمون أنهم قد أتعبوا أنفسهم تقصياً للكتب المحترمة في السير والأدب والتاريخ فلم يعثروا على إشارة إلى القصة التي أنكروها جملة وتفصيلاً وحسبوها