للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأي شاعر يملك هذه الثروة من المنظومات الغنائية الساحرة يجهله المغنون في وطنه كما يجهل المغنون في مصر علي محمود طه برغم ما لفتهم إليه المطرب الفنان محمد عبد الوهاب؟

ومع هذه المنظومات الكثيرة التي اخترناها هنا من مختلف دواوينه، فإن قصائده الباقية تكاد تغنى نفسها كما قدمنا. إنها قصائد غر نسمع لشجوها جرساً يخرج من صميم أبياتها فيترقرق في سمعك كرنين الذهب. ولعل الذي يكسبها هذه الميزة هي تلك الشاعرية الصادقة التي تتجلى فيها جميعاً، والتي يظنها القارئ تناقضاً في شخصية علي محمود طه، أو تناقضاً في آرائه ومعتقداته، إذ كيف تعلل ما جاء في قصيدته (الله والشاعر) مثلا، أو في ثنايا (أشباح وأرواح) من تمرد على الله وعلى البصيرة، وضرب في صحراء العقل الشاك، وهذا الإيمان العجيب الذي يبهرك نوره في قصائد (حلم ليلة الهجرة، وليلة عيد الميلاد، وعلام جديد)

إنك تقرأ من منظومته الرائعة (الله والشاعر) هذه الأبيات يخاطب بها الله:

أمنذري أنت بيوم الحسابْ؟ ... ولأيمي أنت على ما جرى؟

رحماك ما يرضيك هذا العذابْ ... لطَيع لم يعص ما قُدِّرا!

ما كنت إلا مقلما رُكِّبتْ ... غرائزي، ما شئت لا ما أشاءْ

فلتجزها اليوم بما قدَّمتْ ... وإن تكن مما جنته براءْ

تشككت نفسي بما تنتهي ... إليه دنياها وماذا تكون

مضت فما آبت بما تشتهي ... من حيرة الفكر وهجس الظنون

فتشعر أن أبا العلاء والخيام يختبئان في هذه النفس الحائرة لكنه سرعان ما يرد إليك الطمأنينة إذ يخبرك أنه شاعر، وأن صناعة هي رد الطمأنينة إلى القلوب الشاكية، ومسح الدموع عن العيون الباكية!

ها أنذا أرفع آلامه ... إلى سماء المنقذ الأعظم

أنا الذي ترسل أنغامه ... قيثارة القلب وناي الفم!

من عبراتي صغت هذا المقالْ ... ومن لهيب الروح هذه القلم

ملأت منه صفحات الليالْ ... فضُمّنت كل معاني الألم

<<  <  ج:
ص:  >  >>