الذبيحة ولا تكتم عنهما شيئاً من حقيقة أمرها فقالت:
لقد مرّ عرَّاف اليمامةِ باِلَحِمى ... فما راعنا إلا زيارته صبحا
طوى الحي حتى جاء عن قيس سائلاً ... وأظهر ما شاء المودَّةَ والنصحا
ولاحت له شاةٌ جثوم بموضع ... تخيلها ظلاً من الليل أو جنحا
فقال اذبحوا هاتيك فالخير عندها ... فقام إليها يافع يحسن الذبحا
فقال انزعوا من جثة الشاة قلبها ... فلم نألُ قلب الشاة نزعاً ولا طرحا
فلما شويناها رَقَى بعزائم ... عليها وألقى في جوانبها الملحا
وقال اطلبوا قيساً فهذا دواؤه ... كأني به لما تناوله صَحَّا
وحث زياد قيساً على أن يأكل من الشاة متوسلاً إليه بقوله:
تعلل قيس بالشاة ... عساها تذهب الحبا
فما العراف بالمجهو ... ل لا علماً ولا طبَّا
طبيب جرَّب اليابس ... في الصحراء والرَّطبا
وتلك الأمُّ يا قيس ... أطعْها تطع الربَا
وأراد قيس أن يجامل زياداُ ويتذوق شيئاً من الشاة فقال:
زياد اسمع وكن عوني ... وخل اللوم والعتبا
إذا ما لم يكن بُد ... فإني آكل القلبا
ومرت بلهاء بذلك ومدت يدها إلى صدر الشاة تبحث فيه عن القلب. . . ولكنها تفقدته فلم تجده، فاضطربت وجعلت تخاطب نفسها:
القلب! أين القلب؟ أين يا ترى وضعته؟
يا ويح لي! نسيتُ أني ... بيدي نزعته!
وكان في ذلك فصل الخطاب، فرفض قيس الطعام والدواء وهو يبكي أحر البكاء ويقول:
وشاة بلا قلب يداوونني بها ... وكيف يداوي القلب من لا له قلب
ورجعت بلهاء إلى الحي تجر أذيال خيبتها، وروت لقومها ما حدث؛ فاجتمعوا في بيت الملوح يتشاورون في أمر المجنون. ومر بهم بعض الأطباء فسأله الملوح عما يعالج؛ فقال أعالج كل مسحور مجنون، قال: مكانك آتيك بابن لي يهيم في الصحراء؛ فخرجوا في