ولكنني أؤكد التوكيد الذي لا شكر فيه أنهم لا يحسبون من العلماء والأدباء، ولا فرق بينهم على الإطلاق وبين من يحفظون الفهارس والجزازات ويستخرجونها (عند الطلب) من مواضعها على الرفوف
وفي الأمر ما هو أكثر من ذلك وأدعى إلى الحذر والانتباه؛ فإن هذه المحفوظات الفهرسية خطر على التفكير وإصالة البحث قد يعطل الأفكار ويعوق الفهم عن درك حقائق الأمور، لأنه يعود الفارغين لها أن يعرفوا الأشياء بأسمائهم وعناوينها ويغفلوا عن مسمياتها وحقائقها. ولا خير في ألف عنوان لألف مذهب أو كتاب إذا كانت هي قصارى المعرفة عند جماعة الفهرسيين
ومن عوارض ذلك في كلام ناقد المقتطف أنه يذكر مثلاً كلمة النقد الداخلي ويسوقها إلينا كأنها شيء غريب لم يخطر لنا ولا لأحد على بال، لأنه عرف الشيء بعنوانه ولم يعرفه بحقيقته ولبابه. ولو أنه عرف ما هو النقد الداخلي على الحقيقة واللباب لفهمه في عشرة كتب على الأقل كتبناها عن شخوص مختلفين، وكلها دائرة على النقد الداخلي لطبائع أولئك الرجال. وليس بفاهم ما هو هذا النقد الداخلي من لم يفهم أنه هو النقد الذي توخيناه ونحن نكتب عن محمد وعمر والصديق وعلي وعائشة وجيتي وابن الرومي وأبي العلاء والمتنبي وسعد زغلول وعشرات آخرين
كذلك يقول مثلاً:(كيف تكون عائشة جارية صغيرة على نحو ما وصفتها بريرة - تنام عن عجينها - وهي ابنة ستة عشرة أو فوق ذلك؟)
فلولا الفهرسيات لاستطاع ناقد المقتطف أن يفهم ذلك حق فهمه، لأننا كتبنا ثلاثة فصول نقرر فيها أن السيدة عائشة قد نشأت مدللة بحكم ولادتها في الحضر، وبحكم ولادتها في قبيلة بني تميم خاصة، وبحكم ولادتها في بيت الصديق على الأخص، وبحكم الحظوة التي لقيتها في بيت زوجها العظيم. فإذا كانت فتاة في السادسة عشرة لا تنام عن عجينها في هذه الحال فماذا يسميها الناقد الفهيم؟ أيقال إنها امرأة نصف؟ أيقال إنها عجوز شمطاء؟
إنما الآفة آفة الفهارس كما قلنا، وإنما كان صاحبنا يفهم ما ذكرناه لو أنه ظفر بجزازة فهرسية قيدت عليها كلمة العجين وقيل فيها - مثلاً - (ومن العجين ما تنام عنه الفتاة وهي في السادسة عشرة، كما جاء في ترجمة عائشة - راجع كذا وكذا وكذلك وكذاك. . .)