وما الموجب لأن تكون حياتنا كلها قتالاً في قتال، بحيث لا نتصور الشجاعة إلا بصورة واحدة هي المصاولة والفتك والإيذاء؟
وما الذي يمنع من أن نرى في ضبط النفس شجاعة تفوق كل شجاعة؟
إن المظاهرة بالعداء أخف وأسهل من المجاهرة بالصفاء، لأن العداء العنيف هو البقية مما ورثناه عن عهود الوحشية، ولا كذلك التلطف والترفق، فهما من مظاهر الرقي في الشمائل الإنسانية
والحق أن أخلاق جاد المولى بك كانت فوق ما نطيق، ولهذا كان يحب ناس أن يزيفوها، ليستروا عجزهم عنها، فقد كانت من المعجزات
أين من يصدق أن كبير مفتشي اللغة العربية لم يكن يقدر على توجيه كلمة فيها صورة الأمر للساعي الذي يحفظ ودائع مكتب التفتيش؟
لو كان تلطفه مع الرؤساء ناشئاً عن ضعف لوجب أن يكو أسداً في معاملة الضعفاء
وهذا بحث إن أطلناه طال، والمقام يضيق عن الإطناب
مؤلفات جاد المولى بك
أشهر مؤلفاته كتاب (محمد المثل الكامل) وقد طبع غير مرة، وانتفع به كثير من المسلمين، ثم ترجمه أحد الأفاضل إلى اللغة الفارسية باسم (عظمت محمد)، وبهذا وصل نفعه إلى أبعد آفاق الشرق الإسلامي
ومن خير مؤلفاته (كتاب الأخلاق) وهو كتاب فصل به المذاهب الأخلاقية أجمل تفصيل
ثم ماذا؟
ثم يكون الرد المفحم على ما اتهم به جاد المولى بك، فقد قيل وقيل إنه وضع اسمه على مؤلفات كثيرة بوصف أنه اشترك في التأليف مع أنه لم ينشئ بقلمه فصلاً من فصول تلك المؤلفات
ولهذه التهمة أصل من الصحة، ولكن المتهمين تناسوا جوهر القضية؛ فقد كان الرجل أستاذاً كبيراً، والأستاذ يوجه أكثر مما يؤلف، وبالتوجيه السديد أنشأ جيلاً من المؤلفين النوابغ، وهم تلاميذه الأوفياء، وبإرشاده وبجهودهم زودت المدارس بأطايب المؤلفات الأدبية