مجلس الوزراء مد خدمته سنتين، للانتفاع بخبرته التعليمية، فبالغ جاد المولى بك في نشاطه ليؤيد حقه في ثقة ذلك الوزير الجليل
وفي أحد أيام الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الماضي كنت بحضرة الهلالي باشا في مكتبه بالإسكندرية، لأحدثه في شؤون تستوجب لقاءه هناك
وفي أثناء الحديث صلصل تليفون المعارف بالقاهرة ليقول الوزير للوكيل ما نصه بالحرف:
(يجب أن تنتهي حركة التنقلات قبل اليوم العاشر من سبتمبر، ليعرف المدرسون إلى أين يتوجهون. . . شغل جاد المولى بك)
وعند رجوعي إلى القاهرة رأيت من الأمانة أن أبلغ جاد المولى بك ما سمعت، فطلب جميع معاونيه من إجازاتهم بالبرقيات لينجز حركة التنقلات بأسرع ما يستطاع
والذي يعرف أن متاعب مدرسي اللغة العربية ليس لها حدود يعرف كيف يعاني من يحاول راحتهم من شديد العناء
ضغط الدم قتل جاد المولى بك، وهو مرض لا يصاول غير شهداء الواجب. . . فعلى روح هذا الشهيد ألف تحية وألف سلام
كانت لهذا الرجل مغاضبات في أعوامه الأخيرة، ولكنه لم يغاضبني في أي يوم. كانت عبارته حين يلقاني: أهلاً بدكتورنا فسلام عليك يا أكرم أستاذ وأشرف صديق
لو أنشأنا مليون مدرسة لما استطعنا أن ننشئ فتى في مثل أدبك وذوقك. ولو أنشأنا مليون قصيدة في الرثاء لعجزنا عن كلمة الصدق فيك، يا أصدق الأوفياء
أكرمك الله وأعزك، وجعلك من أهل الفردوس
رفق ولطف
كان جاد المولى بك رفيقاً جداً بمعاونيه من المفتشين فلا يصدر رأياً إلا بعد الاستئناس بما عندهم من آراء، وكانت صلاته بالمراقبين صلات أخوة صافية، وقد بلغ به التواضع أبعد مبلغ فاتهم بالضعف ظلماً وعدواناً، وجرت القالة بأنه يعجز عن درء الشر إن وجه إليه، وهذه القالة وتلك التهمة مهدومتان من الأساس، فجاد المولى بك لم يكن يحب الخصام ولا القتال، حتى نطالبه بالمقدرة على اللدد والعنف، وإنما كانت فطرته تهدية دائماً إلى إيثار