للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أكتب بهذا دافعه، فألزمه فكتب بإباحة دمه. ولا شك أن هذا صريح في أن القاضي لم يكن يرى أنه يستحق الحكم بإباحة الدم، ولكنه ألزم بهذا الحكم إلزاماً، وقد أمضاه وهو يرى ما يحيط به من الظلم والفساد، فلم يأمن على نفسه نقمة الوزير إن امتنع عنه، ولهذا كله كان ذلك الحكم باطلاً شكلاً

وأما بطلانه موضوعاً، فلأن ما ذهب إليه الحلاج فيمن أراد الحج ولم يمكنه لا يستحق الحكم بالقتل، وما هو إلا بدعة من البدع الفاسدة التي ابتدعت في الدين، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ابتدع في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد عليه. فقضى على المبتدع بأن يرد عليه ما ابتدع، ولم يقض بكفره ولا بإهدار دمه، وما بدعة الحلاج في الحج إلا كبدعة غيره في إسقاط الصلاة وغيرها من البدع التي ظهرت في الدين، ولم يحكم على أصحابها بكفر ولا بقتل

والحق أن الحلاج كان مشعبذاً اتخذ التصوف ستاراً له، وأن التحقيق في قضيته كان يجب أن يتناول تلك الشعبذات التي كان يظهرها للناس على أنها كرامات، ليظهر لهم فسادها، ويتبين لهم أمر الحلاج على حقيقته، والحكم الذي كان يستحقه على ذلك هو التعزيز بالحبس أو غيره، ولكنهم أرادوا أن يبالغوا في الحكم زجراً لأصحابه فجاء بعكس مقصودهم، لأن أصحابه بعد قتله جعلوا يعدون نفوسهم برجوعه بعد أربعين يوماً، واتفق أن دجلة زادت في تلك السنة زيادة وافرة فادعوا أن ذلك بسبب إلقاء رماده فيها، وقد ادعى بعضهم أنه لم يقتل وإنما ألقى شبهه على عدو له.

عبد المتعال الصعيدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>