ثم يصوره تصويراً فنياً رائعاً فيتخيله مطرقاً إطراق من كانت له صولة فزالت، وأمن الناس نفعه وضره، فهو مطأطئ الهامة أسفاً على ماضيه وتفكراً بحاضره، ولكن هذا الإطراق المحزن لا يذهب بوقاره وحلمه فهو - على شجاه - يملأ النادي حلماً ووقاراً. وهو على ما نزل به لا يزال محتفظاً بجلاله وهيبته، ثم يشبهه بملك وقع الدهر به وحلت كوارثه في ساحته فسلبته ملكه وأماطت عنه تاجه وذهبت بطوقه وسواره؛ فهو لا يزال كما كان رجلاً كامل الهيبة، ولكنه عاطل من حلل الملك وحليه، وكذلك الإيوان، فهو لا يزال قصراً شامخاً، ولكنه خال من كل ما كان له من شأن
وهذه الأبيات هي كل ما يظفر به الإيوان من الشريف الرضي من الوصف، ثم ينتقل بعدها إلى ما يريده من أغراض قومية، فيسائل أين معالي الإيوان الجمة وأين حماه الأفيح وأين رجاله الذين غلبوا الناس:
أين لا أين المعالي جمة ... والحمى أفيح والرأي مغارا
ورجال شدخت أوضاحهم ... غلبوا الأعناق مَناً وإسارا
فيجيب عن ذلك بجواب تتجلى فيه نزعته القومية، وروحه الإسلامية واضحة جلية:
عمروا لم يعلموا أن لنا ... جائز الأمر عليهم والإمارا
ثم هو يشير إلى ما كانت عليه الأمم المجاورة للعرب من النظر إليهم نظر الاستهانة وقلة الاكتراث غير عالمة بما وراء هذا الهمود من الاندفاع العجيب، ولا حاسبة بأن تلك الأمة الممزقة الرأي المقطعة الأوصال ستهب هبة تدهش الدنيا:
قدروا جَد تزار واقفاً ... ومشى الجد فما عزوا نزارا
ثم يصف الوثبة العربية العظيمة وما رافقها من بطولات وتضحيات وكيف أذهلت الناس فعنوا لها مستسلمين
لاوَذوا لما رأوا من دونهم ... وادياً يلقى به السيل غمارا
عينوا الضرب دِرَا كافي الطلى ... يعجل الفارس والطعن بدارا
ثم يشبه العرب بالأسد يهب مصحراً بعد طول الخور:
أصحر الليث العفوني فانثنى ... يطلب اليربوعُ في الأرض وجارا
وبعد هذا الاعتزاز بقومه والتفاخر بأمته يتحدث عما أفضت إليه نهضة العرب وعن