أسفرت أعطانها عن معشر ... شغلوا المجد بهم عن أن يعارا
تصف الدار لنا قطانها ... المعالي والمساعي والنجارا
وهنا يتجلى إنصافه واعترافه بالحق؛ فهو بالرغم من مزعته القومية المتحمسة لا يبخس الناس أشيائهم ولا يغض من ذوي المواهب، بل يتكلم عن الناس بما كانوا عليه؛ فقد وصفت الدار له قطانها، فهي باذخة البناء رحيبة الفناء، وهي محكمة الصنعة متقنة العمل، وهي في كل ذلك ناطقة بفضل من أبدعوها وحلوها تخبر عنهم بلسان فصيح ولغة واضحة
ثم نراه يلم بما أصاب هؤلاء القطان من نزول عن مجدهم واضمحلال لأمرهم، فهو يرى أن الدهر استرد منهم ما أعارهم ليعيره إلى غيرهم فكأنما نعم الحياة عاريات يجود بهما الدهر على ناس، ثم يبدو له فيستردها ليجود بها على آخرين وهكذا تتداول الأمم المجد فيما بينها:
آل ساسان حدا الخطب بهم ... واسترد الدهر منهم ما أعارا
بعد ما شادوا البُنى ترفعها ... عَمَد المجد قباباً ومنارا
كل ملموم القرى صعب الذرى ... يزلق العقبان عنه والنشارا
ثم ينتقل إلى وصف الإيوان كما رآه في عهده ولكنه لا يصف لنا صوره ونقوشه ولا يتحدث عن عجائب صنعه وبدائع فنه، بل إن ذلك لا يشعل ذهنه ولا يثير اهتمامه فلا يسترسل كالبحتري في وصف دقائقه، بل يعطينا صورة إجمالية عنه تملأ النفس رهبة ووحشة:
حمل الدهر إلى أن رده ... ضاغط العبء ضلوعاً وفقارا
مطرقاً إطراق مأمون الشذا ... غمر النادي حلماً ووقارا
أو مليك وقع الدهر به ... فأماط الطوق عنه والسوارا
أوهنت منه الليالي فترة ... لا يلاقى وهنها اليوم جبارا
إذ لم يكن يهم الرضي أن يستوفي وصف الإيوان، فنحن لا نستطيع أن نتعرف من قصيدته إلى حال الإيوان يوم ذاك ولا إلى ما كان لا يزال مائلاً من زخارفه؛ فكأنه لا يعنيه أن يسهب في ذلك، بل يريد أن يستخرج العبرة من موقفه هذا، فيتحدث عن حملة الدهر على الإيوان حتى تركه (ضاغط العبء ضلوعاً وفقاراً)