ثم يعقب على ذلك ببيته الختامي الذي يظهر فيه مذهبه الشعري الإنساني:
وأراني من بعد أكلف بالأش ... راف طراً من كل سنخ وجنس
- ٢ -
يستهل الشريف الرضي قصيدته استهلالاً فروسياً جميلاً تتجلى فيه روحه الوثابة وتبرز سجاياه الشماء، بل تبدو إحساساته المكبوتة وعواطفه المقهورة. فالرضى فتى ملء بروده الرجولة التواقة إلى العلياء، الطماحة إلى المجد، وقد اجتمع له من كريم نسبه ونبل خلاله وسمو مكانته ما جعله يأنف حياة الدعة والخمول وعيش الصغار والهوان. وتحكم في عصره بالناس من هم دونه كفاية وشهامة وحسباً ونسباً فحاول أن يشق طريقه فأقعده الزمن وردته ظروفه فظل مهضوماً مغبظاً يفرج كرباته بالشعر:
واصطفوهن لينتجن العلى ... بالعوالي لا لينتجن المهارا
إنه ليترنم بالخيل ويهتف بإسمها ويصيح برهطه ليقربوها إليه!. . . وماذا في الخيل؟. . . إن فيها مظاهر القوة والعظمة، مظاهر النضال والكفاح، مظاهر الفروسية الباسلة. والشريف يرى نفسه رجل الخيل المغيرات وقد حيل بينه وبين أعنتها فهو يزفر من أعماق صدره هذه الزفرة الحماسية جامعاً فيها ما يتأكل نفسه من الحرمان المرير، ومضمناً لها ما يجول في خاطره من التوثب إلى معالي الأمور، فهو وقد وقف على إيوان كسرى لا يتغزل بالحسان الساحرات، ولا يستبكي للأطلال الداثرات، بل يفتتح قصيدته بدعوة الخيل لا للتسلي بأعنتها، ولا للتلهي بصهواتها، بل للغارات البعيدة، ولتبدل له بدار الهوان التي تأويه دار العز التي يطمح لها. فهو يرى أنه إنما يحيا في دار الذل ومنزل الضيم بالرغم مما كان يحاط به من تكريم وإعظام.
وتراه في البيت الثاني يعلن زهده في المادة فهو لا يريد الخيل لتنتج له العلا
وبعد أن يمضي الرضي في واحد وعشرين بيتاً يضمنها نوازعه وخواطره يصل بنا إلى ذكر الإيوان فيخبرنا أنه نزل فيه داراً لم تكن دار ذل، وأن بناته كانوا ذوي مجد رفيع استقلوا فيه عن الناس وشغلوه عن أن نعار لغيرهم:
قدَ نزلنا دار كسرى بعده ... أربُعاً ما كن للذل طوارا