قبره صيت شيخه وقد قرأنا في تاريخ الصوفية أن أول من عرف منهم بهذا الاسم صوفي اسمه أبو هاشم اتخذ صومعة في مدينة الرملة وتوفى سنة ١٥٠ فهل هذا قبره؟ لم يتسع مقالنا للبحث في هذا الشأن
وبعد العشاء ذهبنا إلى دار الشبان المسلمين فلقينا جمعاً من الشبان حاشداً وعلمنا أنهم لم يجتمعوا منذ سبع سنين؛ فرط عقدهم، وباعدت بينهم، ومنعتهم الإلتثام في مثل هذا الجمع، حوادث الحرب وما قبل الحرب من الثورة والجهاد، وممارسة الخطوب الشداد، فما كان أعظم غبطتي، وما كان أسعد جدي أن كانت زورتي المدينة الكريمة مقرونة باجتماع الشمل، وانتظام الجمع. تكلم صديقنا المجاهد محمد يعقوب الغصين وتكلم عدة من كرام الشبان فأفاضوا ما شاء أدبهم وكرمهم محيين المجاهد الكريم، والزعيم الاقتصادي أحمد حلمي باشا والضيف المصري الذي لا نرى نفسه في فلسطين ضيفاً، ولا يعد القاهرة أولى به من الرملة. وتكلمت على وجوه يعرفها قلبي وإن لم تشهدها عيني مستمداً من تاريخنا ومآثرنا وأخلاقنا وعزائمنا ما يثبتنا في هذه المحن، ويربط على قلوبنا في هذه الفتن، ويجمع الكلمة في هذه المصائب، ويؤلف العزائم لهذه النوائب، وألقيت إليهم من تاريخنا وأخلاقنا وأواصرنا مقاليد المستقبل الكريم، الوضاء الذي يبسم في أعقاب هذه الظلمات، ويتنفس من وراء تلك الكربات. ومن وراء كلامي ما يضيق عنه الكلام، وتتلقفه عن الوجدان الإفهام. لقد كانت ساعة جليلة لا تزال تضئ في جوانحي، وتشتعل في سرائري.
أصبحت إلى مطار اللد في صحبة إخواني الكرام أتمثل بقول القائل:
وْنكرم جارنا ما دام فينا ... ونتبعه الكرامة حيث مالا
وأنشد قول أبي الطيب في طريقه إلى مصر:
إذا السحاب زفتْه الريح مرتفعاً ... فلا عدَا الرملة البيضاء من بلد
عرجنا على بنك الأمة العربية في اللد فلبثنا حتى سرنا إلى المطار وقد قصصت قصته من قبل في حديث عن الطيران من اللد إلى القاهرة